عبق نيوز| لبنان/ بيروت| أعلن رئيس الحكومة السابق والزعيم السني الأبرز في لبنان سعد الحريري الاثنين “تعليق” نشاطه في الحياة السياسية وعزوفه عن الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، لاقتناعه بأن “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني”.
وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة انتكاسات مني بها الحريري مالياً وسياسياً في السنوات القليلة الماضية، وفي ظل أزمة سياسية واقتصادية ومالية حادة تشلّ لبنان منذ عامين. ومن شأن ابتعاد الحريري وتياره، وفق محللين، أن يخلّف فراغاً في الساحة السنية التي يعدّ تياره الأكثر تمثيلاً لها.
وأعلن الحريري (51 عاماً) الذي دخل معترك السياسة بعد اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، في خطاب مقتضب ألقاه من دارته في وسط بيروت، “تعليق عملي بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل (الذي يترأسه) لاتخاذ الخطوة نفسها”.
وأكد كذلك “عدم الترشّح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسمه”
وعن مبررات قراره، قال الحريري الذي كان يحظى بدعم سعودي قوي قبل أن تسوء علاقته مع الرياض التي تتهمه بعدم مواجهة حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان المدعومة من إيران، إن “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبّط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.
وقاد الحريري بعد دخوله العمل السياسي، فريق “قوى 14 آذار” المعادي لسوريا الذي ساعده اغتيال الحريري وغضب الشارع الذي تلاه، بتحقيق فوز كبير في البرلمان ساهم في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد نحو ثلاثين سنة من تواجده فيه.
لكن “قوى 14 آذار” تضعضعت منذ ذلك الحين. إذ سعى الحريري الذي لطالما أكّد “اعتدال” تياره السياسي، إلى التعايش بعدها مع حزب الله المدعوم من طهران.
وترأس الحريري ثلاث حكومات منذ العام 2009. وقدّم استقالة حكومته الثالثة بعد نحو أسبوعين من بدء التحركات الشعبية المناهضة للطبقة السياسية في 17أكتوبر 2019. ولم يتمكن رغم تسميته مجددا في 22 أكتوبر 2020 لتأليف الحكومة، من إتمام مهمته على وقع النقمة الشعبية وانقسام سياسي حاد.
في الانتخابات الأخيرة عام 2018 التي كرّست نفوذ حزب الله، تراجع حجم كتلة الحريري النيابية بنحو الثلث، وأعاد البعض انخفاض شعبيته الى تنازلات سياسية قدمها معللاً إياها بالحفاظ على السلم الأهلي.
وقال الحريري في خطابه الإثنين “لا شكّ أن منع الحرب الأهلية فرض علي تسويات”، مضيفاً “هذا كان سبب كل خطوة اتخذتها، كما كان سبب خسارتي لثروتي الشخصية وبعض صداقاتي الخارجية والكثير من تحالفاتي الوطنية وبعض الرفاق وحتى الإخوة”.
– منعطف سياسي –
وشكل توتر علاقته مع السعودية منعطفاً في مسيرته السياسية. في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، أعلن الحريري استقالته من رئاسة الحكومة من الرياض، قائلا إنه يريد إحداث “صدمة” تفتح الأعين على دور حزب الله السلبي وانعكاساته على لبنان بسبب تدخله في النزاعات الإقليمية بدعم من ايران، في خطوة شكلت صدمة للبنانيين. واعتبر خصومه حينها قرار استقالته “سعودياً”.
وذكرت تقارير أن السعودية حيث بقي الحريري إثر إعلان الاستقالة لأيام، احتجزته رغما عن إرادته. ثم عاد الحريري الى لبنان بعد تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع المسؤولين السعوديين. كما عاد عن استقالته.
وفي ختام خطابه الإثنين، كرّر الحريري الذي لم يتمالك دموعه عبارة ختم بها والده رفيق الحريري بياناً أصدره في 20 أكتوبر 2004، بعد عزوفه عن تشكيل حكومة حينها، قال فيها “أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب”.
ويأتي قرار زعيم تيار المستقبل قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في مايو المقبل، والتي ينظر كثر إليها كفرصة لإحداث تغيير، ولو ضئيل. إلا أن تداعيات الأزمة الاقتصادية وانفجار الرابع من آب 2020 الذي دمر جزءا كبيرا من بيروت وقتل أكثر من مئتي شخص، ساهمت في إحباط اللبنانيين تدريجياً. اليوم، يعيش نحو ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر، وهاجر الآلاف وتركز غالبية اللبنانيين على تأمين حاجاتها الأساسية ولا تهتم بالسياسة.
وتقول مديرة مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط مهى يحيى إن عزوف الحريري قد “يمهّد لمقاطعة سنيّة للانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة التي من المرجح أن تؤجل”.
وترى أن هذا الأمر “سيشكل تأكيداً للفراغ في القيادة السياسية السنية خصوصاً إذا تبنى سياسيون سنة آخرون قرار سعد الحريري”، من دون أن تستبعد أن تلجأ قوى سياسية رئيسية في البلاد الى المطالبة بعد هذا القرار بتأجيل الانتخابات.
المصدر / فرانس برس العربية .
Comments are closed.