عبق نيوز| أمريكا / سوريا| مقتل أبو بكر البغدادي هذا الأسبوع لن يكون نهاية للدولة الإسلامية ولا للجهود العسكرية الأمريكية لمكافحة التشدد الإسلامي في الشرق الأوسط وخارجه. غير أنه قد يؤذن بنهاية عصر في السياسة الخارجية والعسكرية الأمريكية لحدوثه على خلفية الانسحاب الأمريكي من سوريا وانشغال وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) المتزايد بالتنافس مع قوى عظمى مثل الصين.
فحتى صيف 2014، عندما سيطر مقاتلو الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، كان كثيرون في الحكومة الأمريكية يعتبرون مثل هذه الجماعات الخطر الوشيك على الأمن القومي الأمريكي والأولوية القصوى لواشنطن.
ومع ذلك فقد ظهرت بدايات التحول في الاهتمام بفعل استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم وبداية حربها في أوكرانيا في العام نفسه وهي عملية تسارعت وتيرتها منذ ذلك الحين.
بل حتى في الشرق الأوسط تتحدد الآن التصرفات الأمريكية والعوامل المحركة للصراعات الأوسع بناء على عوامل القوى العظمى وعوامل جيوسياسية أخرى. كما أن الحرب على الجماعات المتشددة، حتى ما يسعى منها لتهديد الغرب، أصبحت الآن حربا ذات أولويات متعددة متباينة.
وبينما جاء وقت كان المخططون وشركات تصنيع السلاح والمفكرون الاستراتيجيون يركزون فيه على الدول الفاشلة والعبوات الناسفة وبناء الدول، أصبح البنتاجون يركز الآن بدرجة أكبر على الصواريخ فائقة السرعة والحروب السيبرانية والفضائية بل والحروب المحتملة على نطاق قاري. غير أنه لا تزال هناك علامة استفهام دون إجابة على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحقق نتائج في هذه المواجهات أفضل مما حققته ”حروبها الأبدية“ في الشرق الأوسط.
–مفارقة —
تشير هزيمة الدولة الإسلامية وموت البغدادي إلى مفارقة عاشتها القوة الأمريكية منذ ما قبل 11 سبتمبر أيلول 2001. فخلال تلك الفترة امتلكت الولايات المتحدة القدرة على الضرب في كثير من الأحيان وإرسال قوات إلى أي مكان تختاره تقريبا في مساحة هائلة من كوكب الأرض. وتطورت أساليبها ولم يحطم إرسال أعداد كبيرة من الجنود إلى العراق وأفغانستان حركات التمرد مثلما كان متوقعا.
إلا أنها استطاعت من خلال الطائرات المسيرة والضربات الجوية وقوات العمليات الخاصة والحلفاء المحليين دحر أعدائها المتطرفين دون أن تلحق بهم الهزيمة المنكرة مثلما كانت التوقعات تشير.
وربما يكون من الخطأ القول إن أمريكا وجيشها يشعران بالإهانة بفعل تجربة ”الحرب على الإرهاب“. فقد اعتادا على الاستنزاف المتكرر والشعور بالفشل في تحقيق النصر وكان ذلك مبعث حزن لهما. لكنهما اعتادا أيضا على الاستعانة بقوة نيران هائلة واتصالات فورية تقترن بمراقبة واستخبارات بل وبقوى محلية صديقة في كثير من الأحيان. وحتى حين ارتفعت أعداد الخسائر البشرية للآلاف بمرور الوقت فلم يحدث قط تقريبا أن أُخذت على أنها أكثر من عدد يعد على أصابع اليد في اليوم الواحد.
وهذا بالطبع مختلف عن تجارب القوات العراقية والكردية وغيرها وخاصة في المراحل الأولى القاسية من توسع الدولة الإسلامية أو مثل معركة استعادة الموصل أو هجمات حركة طالبان المتكررة على كابول وغيرها والتي كثيرا ما كانت تسفر عن سقوط أكثر من 100 قتيل في الهجوم الواحد. ويقول أحد التقديرات أن ما يصل إلى 500 ألف فرد سقطوا قتلى في الصراعات المقترنة ”بالحرب على الإرهاب“ التي كبدت الولايات المتحدة ما يصل إلى ستة تريليونات دولار من التكاليف المباشرة وغير المباشرة.
وقد تقلصت هذه التكاليف المالية بشدة منذ انسحاب القسم الأكبر من القوات البرية الأمريكية. إلا أن تدخل تركيا في سوريا يوضح أن حروب المنطقة قد تزداد دموية مع رحيل الولايات المتحدة. وأوضحت روسيا أنها مستعدة لتوفير السلاح والدعم الدبلوماسي لحكومات وحشية كما أن المواجهات بالوكالة بين إيران وخصومها المختلفين في الجوار تشتد حدتها.
وربما تجر المواجهة الأخيرة الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الخليج، على مضض، في ضوء المخاوف الأمريكية المتصاعدة في مناطق أخرى.
— مخاوف —
رغم المخاوف المتعلقة بروسيا وأوروبا، وكذلك التشدد الإسلامي في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك أفريقيا وآسيا، من الواضح أن البنتاجون يعتقد أن الحرب القادمة التي يجب الاستعداد لها أكثر من غيرها ستدور وقائعها في المحيط الهادي. ولا يزال الغموض يحيط بمدى احتمال نشوب صراع عسكري مع بكين لكنه إذا حدث فقد يكون أكثر حرب مدمرة واجهتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
من المؤكد أنه سيكون صراعا مختلفا جدا عما اعتادت عليه الولايات المتحدة. فالطائرات المسيرة الأمريكية التي ظلت تعمل دون رادع لما يقرب من عقدين من الزمان ستلقى صعوبات في مواجهة الدفاعات الجوية المتطورة. ويجادل بعض المسؤولين صراحة بأن حاملات الطائرات الأمريكية ستكون عرضة لضربات الصواريخ الصينية بعيدة المدى لكن آخرين يعتقدون أن الأساطيل الهجومية الأمريكية بحاملات الطائرات المتنقلة قد تكون من بين أكثر العتاد الحربي وليس أقله مرونة وذلك في ضوء احتمال استهداف القواعد البرية أيضا.
ويقال إن سلاح مشاة البحرية الأمريكية يأخذ هذه المخاوف على محمل أكثر جدية ويتدرب على استخدام مقاتلات إف-35، التي يمكن أن تقلع من ممرات قصيرة، في جزر ومجموعات من الجزر المرجانية خشية ألا يُكتب لأي شيء يذكر البقاء إذا ما اندلعت الحرب فعلا. والهدف الأولي المعلن للوجود العسكري الأمريكي المتنامي هو ضمان ألا يحدث ذلك وأن ترتدع الصين عن المبالغة في نشر قوتها العسكرية المتنامية من خلال الزحف على تايوان مثلا.
وفي ضوء النفوذ الأمريكي المنهار في الشرق الأوسط، لا سيما لدى الحلفاء الأكراد، ستسعد الولايات المتحدة بأنها قتلت البغدادي في هذا التوقيت. غير أن الغموض يلف المستقبل وربما يفرض أخطارا على أمريكا والعالم أكثر من أي شيء يمكن للدولة الإسلامية أن تمثله.
بيتر آبس من كتاب المقالات في رويترز والآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الشخصية
المصدر / رويترز .
Comments are closed.