قطرات دم وعظام لتسليط الضوء على جرائم تنظيم الدولة الإسلامية ضد الأيزيديين

اختصاصيون في الطب الشرعي يعملون في 19 حزيران/يونيو 2019 في مختبر في بغداد على عينات من رفات استخرجمت من مقابر جماعية في قضاء سنجار الذي تتحدر منه الأقلية الأيزيدية في العراق، تصوير : أحمد الربيعي / فرانس برس .

عبق نيوز| العراق / بغداد| ست قطرات من الدم على قصاصة ورقية وعلبة زجاجية تحوي عظاما مكسرة: هي العناصر الهزيلة التي يعتمد عليها الطب الشرعي العراقي لتسليط الضوء على الفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية خصوصا ضد الأيزيديين.

ويشبّه اخصائي الطب الشرعي محمد إحسان العملية بالأحجية، بينما يحاول مرتديا قناعا يغطي وجهه، إعادة جمع هيكل عظمي يميل لونه إلى الاصفرار داخل مختبر في بغداد.

وقد تمّ جمع رفات بشرية وأدلة وقرائن صغيرة في المقابر الجماعية لتنظيم الدولة الإسلامية. فيما أخذت عينات من الحمض النووي للناجين، وتستخدم كلها للتعرف على الضحايا ومحاولة معرفة المزيد عن أولئك الذين قد لا يزالون على قيد الحياة.

— إبادة محتملة —

بعد خمسة أعوام من اجتياح الجهاديين للشمال العراقي، لا يزال نحو ثلاثة آلاف أيزيدي في عداد المفقودين.

والأيزيديون أقلية ليست مسلمة ولا عربية، تعد أكثر من نصف مليون شخص، ويتركز وجودها خصوصا قرب الحدود السورية في شمال العراق.

ويقول الأيزيديون إن ديانتهم تعود الى آلاف السنين وأنها انبثقت من الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، في حين يرى آخرون أن ديانتهم خليط من ديانات قديمة عدة مثل الزرادشتية والمانوية.

وناصب تنظيم الدولة الإسلامية العداء لتلك الأقلية، فقتل الآلاف من رجالها، واتخذ من نسائها سبايا استعباد جنسي، فيما أرغم الأطفال على القتال في صفوفه. وتمّ تحرير الكثيرين بعد سقوط آخر معقل للتنظيم المتطرف في شرق سوريا في مارس.

بالنسبة إلى الأمم المتحدة، قد يكون ما تعرض له الأيزيديون إبادة جماعية محتملة، وهي أخطر جريمة في القانون الدولي. وعليه، يعمل المحققون الأمميون، وكذلك السلطات العراقية على الوصول الى نهاية قانونية وعاطفية لتلك الأقلية الصغيرة التي أصيبت بصدمة كبيرة.

لكن التحديات هائلة، والأدلة في حالة سيئة وتحديد الحمض النووي أصبح صعبا بسبب زواج الأقارب، وهو قانون في الديانة الأيزيدية.

ومنذ مارس الماضي، تسلم الطب الشرعي في بغداد عظاما وخصلات شعر وأمتعة شخصية مستخرجة من 12 مقبرة جماعية من معقل الأيزيديين في سنجار.

ويعمل الخبراء المتخصصون على تحديد “جنس وطول وعمر الضحية (…) ويمكن معرفة أسباب الوفاة أو الكسور أو الإصابات الناتجة أثناء الوفاة”، بحسب ما يوضح إحسان.

وبعد ذلك، يتم رفع الحمض النووي للضحايا، خصوصا من منطقة الفخذ أو الأسنان، إذا ما وجدت.

— عائلة من دون ناجين —

بعد طحنها ووضعها في أجهزة مختلفة، يقارن الحمض النووي بعينات دم لناجين مخزنة على بطاقات بحجم البطاقة المصرفية.

وتقول المتخصصة في علم الوراثة ميس نبيل لفرانس برس إن إيجاد آثار حمض نووي على بقايا تعرضت للأمطار والنيران ولسنوات من المعارك يعد إنجازا رائعا.

وتضيف “أحيانا تكون العينة تالفة تقريبا، ونحاول مرات عدة استخراج الحمض النووي منها قبل أن تتلف تماما”.

وعندما يتم عزل الحمض النووي، تبدأ عملية تحديد الهوية، وهو عمل يحتاج وقتا طويلا.

وفرّ نحو مئة ألف أيزيدي من أتباع الأقلية التي كانت تعد 500 ألف نسمة قبل العام 2014، الى خارج العراق أو إلى مخيمات النازحين، خصوصا في إقليم كردستان المجاور.

ويقول معاون المدير العام للطب العدلي عامر حمود، إنه بالنسبة إلى بعض الضحايا، لم يعد هناك من يطلب معرفة مصيرهم، لأن “هناك عائلات فنت بالكامل”.

ويرى حمود، أنه حتى مع وجود 1280 اسما لمفقودين، و1050 بطاقة عينات دم، و2600 بطاقة أخرى ينتظرها من السلطات الكردية العراقية، فالحل هو في الخارج.

ويوضح أن هناك “2200 عائلة أيزيدية في ألمانيا، و800 في أستراليا و800 في كندا، و150 في فرنسا. أطمح أن أحصل منهم على عينات حمض نووي لغرض المطابقة. قاعدة البيانات هذه ستكون أكبر من تلك الموجودة داخل العراق”.

— حلقة من مسلسل الحروب —

بالنسبة إلى الطب العدلي في العراق الذي شهد حروبا متتالية منذ العام 1980، فإن قضية الأيزيديين ليست إلا حلقة إضافية. فالبطاقات الكرتونية مترامية في كل مكان في المركز.

قرب تلك المعنونة باسم “سنجار”، هناك “الأنفال” العائدة للمجزرة التي ارتكبتها قوات صدام حسين ضد الأكراد في العام 1988، و”البصرة” الحدودية مع إيران التي دمرتها حرب الثماني سنوات مع العراق، إضافة إلى “الكرادة” وهو حي شعبي في وسط بغداد شهد اعتداء داميا في العام 2016 أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.

العراقي الأيزيدي بشار حمد في 24 يونيو 2019 في مخيم خانكه لنازحين في شمال العراق يتحدث عن محاولته العثور على أقرباء مفقودين منذ اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية لشمال العراق في 2014 ، تصوير :صفين حامد / فرانس برس .

 

ويقول حمود “هناك خبرة اكتسبناها من مقابر سابقة (…) لكننا نأخذ وقتنا أكثر كي تكون نسبة الخطأ لدينا صفر”.

لكن الأيزيدي بشار حمد لا يمكنه الانتظار أكثر. ويبلغ حمد 51 عاما وهو يعيش في مخيم للنازحين في شمال العراق، منتظرا أخبار شقيقه وخمسة من أقاربه منذ صيف العام 2014، عندما فقد أثرهم لدى فرارهم مع تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة سنجار.

ويقول لفرانس برس إن “معرفة أي شيء أفضل من لا شيء”.

ويضيف “هناك دائما أمل (…) داعش انتهى، وفي مخيم الهول بسوريا هناك نساء وأطفال، لكن لا رجال”.

ويتابع “لن نرتاح تماما مع كل هذه الأحداث في رؤوسنا (…) لكن الأفضل أن نعرف”.

المصدر / فرانس برس العربية .

قطرات دم وعظام لتسليط الضوء على جرائم تنظيم الدولة الإسلامية ضد الأيزيديين

Comments are closed.

نحن لا نقوم بجمع بياناتك ولا نقوم ببيعها، نحن فقط نستخدم بعض الكوكيز التي قد تساعدنا في تطوير الموقع او تساعدك فيي الحصول على الصفحات بشكل أفضل موافق/ة إقرأ المزيد