عبق نيوز| العراق/ بغداد | شكل انتخاب برهم صالح رئيسا للجمهورية وتكليف عادل عبد المهدي لتشكيل الحكومة المقبلة، سقوطا قاسيا للقطبين السياسيين في بغداد وكردستان، اللذين أبعدا لصالح شخصيات تصالحية عابرة للأحزاب.
للمرة الأولى منذ إجراء أول انتخابات متعددة الأحزاب في العراق العام 2005، يتم تكليف رئيس وزراء من خارج حزب الدعوة، المعارض التاريخي لصدام حسين، لتشكيل الحكومة المقبلة.
وفي الوقت نفسه، سجل الحزب الديموقراطي الكردستاني، أكبر حزب كردي برزعامة مسعود بارزاني، خسارة كبرى، بعد الضربة الكبيرة التي تلقاها قبل عام بتنظيمه استفتاء ولد ميتا، على استقلال الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ العام 1991.
حاول بارزاني سحب بساط رئاسة الجمهورية من تحت منافسه الاتحاد الوطني الكردستاني. لكن تلك المعركة غير المسبوقة انتهت بفوز مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح، بالضربة القاضية: 219 صوتا في مقابل 22. كانت “ليلة سقوط الحزبين”، بحسب ما يكتب أحد المعلقين السياسيين العراقيين.
–احتكار السياسة–
فما حصل فعلا هو “فشل غير مسبوق للدعوة الذي زرع من العام 2003 كوادره في المؤسسات حتى احتكرها”حسبما قال الباحث في كلية الدراسات العليا في العلوم السياسية بباريس عادل بكوان لوكالة فرانس برس.
مع فقدان رئاسة الحكومة، لم تكن انتكاسة الحزب الذي تأسس ابان خمسينيات القرن الماضي رمزية فقط، بل هناك أيضا خسارات مالية في بلد يحتل المرتبة 12 على لائحة البلدان الأكثر فسادا في العالم.
كما أن كوادر الحزب، قد تطالهم حملات تطهير محتملة مستقبلا. وبعد شلل سياسي استمر لأشهر في أعقاب الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في مايو الماضي، تسارعت الوتيرة فجأة مساء الثلاثاء مع عودة شخصيتين من قدامى الحياة السياسية في مرحلة ما بعد صدام حسين.
وبعد أقل من ساعتين على الإطاحة بمنافسه على رئاسة الجمهورية في جلسة تصويت برلمانية، كلف الرئيس الجديد الكردي برهم صالح نائب رئيس الجمهورية السابق عادل عبد المهدي تشكيل الحكومة خلال مهلة دستورية لا تتخطى شهرا.
وجرت التقاليد في العراق، بأن تسمي الكتلة الأكبر داخل البرلمان مرشحها، وبالتالي يكلف رئيس الجمهورية هذا المرشح بتشكيل الحكومة.
لكن هذه المرة تغيرت العادة مع تسمية رئيس حكومة مستقل، حتى قبل أن تتوضح معالم الائتلاف البرلماني القادر على تشكيل الحكومة.
أشار محللون كثيرون إلى أن ما سيحصل مشابه ل”سيناريو العبادي”، أي على غرار ما حصل عند تسميته في العام 2014 “في حين لم يكن مرشحا حتى” بحسب ما يلفت بكوان.
ويضيف أنه كان ينظر إلى العبادي على أنه عضو في حزب الدعوة وغير معروف للرأي العام، وبذلك “أضعف المرشحين الذي خلق إجماعا لدى الأقوياء بأنه يمكن التلاعب به بسهولة”.
ولكن رغم الأسماء الكثيرة هذه المرة، فشل الحزب في إيصال أحد كوادره، من الحزب أو وظائف الدولة، أو حتى الأجهزة الأمنية. من جهته، فإن بارزاني، الذي قدم للمرة الأولى مرشحا لمنصب رئاسة العراق، المخصص للأكراد، نسي “عاملا حاسما”، وفق بكوان.
ويشير الباحث إلى أنه “في الذاكرة الجماعية للعراق العربي الشيعي، لا ينظر إليه (بارزاني) على أنه لاعب سياسي رئيسي، بل كخائن يريد أن يقسم العراق”. وحين أكد له رؤساء القوائم الشيعية أنه سيحصل على أصوات نوابهم، لم يلتزم أحد.
–“تكنوقراط بلا قاعدة”–
اختيار صالح وعبد المهدي، الشخصيتان التوافقيتان القادرتان على جمع الخصوم في العراق وخارجه، يأتي تماهيا مع دعوات الزعيم البارز مقتدى الصدر.
ويطالب الصدر منذ أشهر بحكومة من “التكنوقراط” العابرة للأحزاب. وهو أيضا مطلب آية الله علي السيستاني، أعلى مرجع شيعي، وصاحب الكلمة الفصل في السياسة العراقية.
صالح وعبد المهدي من التكنوقراط، لكنهم يفتقرون إلى أدوات كثيرة لإدارة المؤسسات فعليا. يقول بكاوان “ليس لديهما دعم من حزب سياسي قوي، ولا قاعدة اجتماعية ولا بعد ميليشياوي”.
لذا، سيكونان مرغمين على إرضاء كل من يزعم أنه أكبر ائتلاف حكومي. ويقول الخبراء إن عدد الوزارات يمكن أن يتضاعف لهذا السبب.
ولكن على نطاق أوسع، يشير الخبير في الشأن العراقي فنر حداد إلى أن المعطيات الجديدة لحزبي الدعوة والديموقراطي الكردستاني “تشكل خطوة إيجابية للتنمية السياسية العراقية (…) وهو كسر مرحب به للممارسات السابقة”.
ويؤكد الباحث في جامعة سنغافورة لفرانس برس أن تلك التطورات تنهي لعبة “المكاسب الصفرية”، حيث كانت الأحزاب الكبيرة تتقاسم الربح والخسارة، مع إقصاء القوى الأخرى، وبذلك يبتعد العراق عن سياسة ارتبطت به منذ العام 2003.
المصدر / فرانس برس العربية.
Comments are closed.