عبق نيوز| ألمانيا / برلين| يقف مشروع عملاق للسكك الحديد تأخر تنفيذه وتجاوز ميزانيته إلى حد كبير شاهدا على ما يقول منتقدون إنه فشل ألمانيا الصارخ في معالجة مشكلات البنى التحتية الطويلة الأمد.
ومن المقرر أن يصبح مشروع “شتوتغارت 21” مركزاً رئيسياً للسكك الحديد في المدينة الواقعة بجنوب غرب البلاد، وبوابة مناسبة لمنطقة تضم المقرات الرئيسية لشركات ضخمة مثل بوش ومرسيدس بنز.
لكن بعد 15 عاما من بدء العمل عليه، لم يُستكمل المشروع الذي يتضمن استبدال المحطة الحالية بمنشأة رئيسية تحت الأرض.
ولا تزال أجزاء من وسط المدينة ورشة بناء شاسعة، وارتفعت التكاليف إلى أكثر من الضعف لتصل إلى نحو 11 مليار يورو (11,4 مليار دولار).
وقال المتحدث باسم مجموعة الاحتجاج “تحالف العمل ضد شتوتغارت 21” ديتر رايشرتر لوكالة فرانس برس إن “الأموال تُهدر. وكان الأجدى لو استُخدمت الأموال لتحسين وتحديث البنية الأساسية القائمة”.
وتعد البنى الأساسية المتقادمة والمشاريع السيئة التخطيط من بين أبرز مشاكل ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، والتي أصبحت متاعبها الاقتصادية قضية رئيسية في الانتخابات البرلمانية المقررة في 23 فبراير.
ويقول منتقدون أن سمعة ألمانيا في الكفاءة لم تعد قائمة. فالقطارات لا تعمل في مواعيدها وتغطية الإنترنت والهاتف المحمول غالبا ما تكون متقطعة فيما الطرق والجسور في حالة سيئة.
– ركود رقمي –
ويحمّل مراقبون المسؤولية لسنوات من نقص الاستثمار وإجراءات التخطيط والتصاريح المرهقة، وشلل سياسي نجم في السنوات القليلة الماضية عن ائتلاف حاكم متناحر، أدى انهياره في نوفمبر إلى تعجيل الانتخابات.
واستغرق بناء مطار دولي جديد في العاصمة برلين 14 عاما، قبل أن يُفتتح اخيرا في 2020 بسبب لائحة من المشاكل.
والحالة المزرية للسكك الحديد، التي تديرها شركة دويتشه بان المملوكة للدولة، هدف متكرر للانتقاد، إذ يشكو الركاب من الأعطال والخدمات الملغاة وعربات الطعام المغلقة.
في 2023 لم تكن مواعيد 36 بالمئة من القطارات الطويلة المسافة دقيقة، وهو ما تم تعريفه بست دقائق أو أكثر بعد وقت وصولها المقرر، وفقا لبيانات من المشغل، معدل لا يمكن تصوره في الماضي.
واحتلت المشاكل عناوين الصحف العالمية عندما استضافت ألمانيا بطولة كرة القدم الأوروبية 2024 الصيف الماضي، مع روايات المشجعين عن رحلات شاقة وتأخير متكرر للمواعيد وتقطع السبل بهم في منصات.
وتبرز في أماكن أخرى مخاوف بشأن حالة الجسور في البلاد. ففي ورقة بحثية من عام 2022 حددت وزارة النقل 4000 جسرا بحاجة لأعمال تحديث.
في سبتمبر الماضي انهار جسر في دريسدن في نهر إلبه في ساعة مبكرة صباحا بدون أن يوقع إصابات ولكنه تسبب في تعطل حركة المرور في المدينة الواقعة شرقا.
ولا تقتصر مشاكل البنى التحتية المادية على ما يعوق تقدم البلاد، إذ يشير المنتقدون أيضا إلى بطء طرح التقنيات الجديدة والرقمنة.
وبحسب بيانات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي فإن 11 بالمئة فقط من اتصالات النطاق العريض الثابت في ألمانيا هي من النوع الأسرع من الألياف الضوئية، وهي من بين أدنى المعدلات بين دول المنظمة.
– الاستثمار والاستثمار والاستثمار –
ألقيت بالمسؤولية في مشاكل البنى التحتية جزئيا على ما يعرف بآلية “كبح الديون” المنصوص عليها في الدستور الألماني والتي تحد من العجز العام السنوي عند 0,35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعوق الاقتراض ويبقي الانفاق منخفضا.
وقال المحلل المصرفي كارستن برزيسكي لوكالة فرانس برس إن “السبب الرئيسي هو قلة الاستثمار”.
وحث الحكومة المقبلة على “الاستثمار والاستثمار والاستثمار”، واقترح إنشاء صندوق لللبنى التحتية ووضع خطة لعشر سنوات.
وعبر كل من حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي (يمين الوسط) المرجح أن يتولى السلطة بعد الانتخابات، والحزب الاشتراكي الديموقراطي بزعامة المستشار أولاف شولتس عن انفتاحهما على تخفيف كبح الديون.
وقال الخبير الاقتصادي في بنك بيرينبيرغ سالومون فيدلر إن هناك فرصة جيدة لإجراء “إصلاحات مفيدة” في ظلّ القادة الجدد للبلاد.
وصرح لوكالة فرانس برس “أتوقع أن تحاول الحكومة المقبلة تبسيط الإجراءات البيروقراطية لتسريع مشاريع الاستثمار”.
ولكن هذا قد لا يحمل ارتياحا يذكر لسكان شتوتغارت الذين واجه قلب مدينتهم اضطرابات طويلة الأمد بسبب مشروع السكك الحديد العملاق.
وقال الناشط رايشرتر “عندما تأتي إلى شتوتغارت بالقطار، عليك أن تمشي حول ورشة البناء” مضيفا “إنه كمسار للمشي لمسافات طويلة”.
وتعارض مجموعة الاحتجاج المشروع لأسباب عديدة، منها أن هدفه الرئيسي ليس تحسين حركة السكك الحديد بل إتاحة مساحة فوق الأرض لمشاريع عقارية جديدة.
لكن دويتشه بان تعتقد أن المشروع سيكون جاهزا للتشغيل في معظمه بحلول نهاية العام المقبل، بعد سبع سنوات من التأخير.
وتصر الشركة المشغلة على وجود فوائد للمسافرين، مثل اختصار أوقات الرحلات وربط أفضل بالمطار.
ولكن رايشرتر يرفض هذه التأكيدات ويعتبرها “خرافات”، ويخشى أن تستمر أعمال البناء اللاحقة لسنوات.
وقال “لسوء الحظ، لا يتوقف المشروع أبداً”.
المصدر / وكالة الصحافة الفرنسية.
Comments are closed.