عبق نيوز| السعودية / أمريكا | قالت مصادر خليجية وخبراء إنه ليس من المتوقع أن يتراجع أي من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي جو بايدن قيد أنملة في معركة إرادة محتدمة بشأن النفط، مما يضر بشدة بالتحالف القائم على مبدأ الطاقة مقابل الأمن بين بلديهما، رغم أن احتمال حدوث قطيعة كاملة غير مرجح فيما يبدو.
وخاطرت السعودية، بصفتها الزعيمة الفعلية لمجموعة منتجي النفط أوبك+، بإثارة حفيظة الولايات المتحدة عندما قرر التكتل خفض الإنتاج حتى بعد أن سعت إدارة بايدن إلى إقناع أوبك بإرجاء القرار لمدة شهر واحد بالنظر إلى قرب موعد انتخابات التجديد النصفي الأمريكية.
وأدت هذه الخطوة إلى ارتفاع أسعار النفط، وتوعد بايدن يوم الثلاثاء بأنه “ستكون هناك عواقب” على علاقات واشنطن بالرياض، وذلك بعد أن دعا العديد من أعضاء مجلس الشيوخ البيت الأبيض إلى تجميد كافة أوجه التعاون مع السعودية، بما في ذلك مبيعات الأسلحة، ردا على قرار أوبك+.
وقالت وزارة الخارجية السعودية على تويتر يوم الخميس إن المملكة “ترفض الإملاءات”، وأضافت أن الرياض تعمل على “حماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق البترولية”.
وفي رد على البيان السعودي فيما يبدو، تطرق المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي للخلاف بلهجة صريحة على غير العادة.
وقال “يمكن لوزارة الخارجية السعودية أن تحاول المناورة أو صرف الانتباه، لكن الحقائق بسيطة”، مضيفا أن دولا أخرى في التجمع أبلغت الولايات المتحدة سرا بأنها “شعرت بأنها مضطرة لدعم اتجاه السعودية”.
وعلى الرغم من هذا التراشق المحموم، قال محللون وخبراء متخصصون في الشأن الخليجي في مقابلات إن هناك ضوابط تحكم الطرفين في كيفية الضغط على بعضهما البعض على أرض الواقع.
فواشنطن من جهة لن ترغب في فعل أي شيء من شأنه أن يخاطر بأمن قطاع النفط في المملكة، خاصة وأن أي ضرر سيقع على هذا القطاع الحيوي سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل حاد وربما سيدفع الرياض إلى التقارب أكثر مع الصين وروسيا.
من جهتها، تدرك الرياض أنها لا تستطيع بسهولة تنويع إمدادات الأسلحة لجيشها الذي تم تجهيزه وتدريبه بالقدر الأكبر على أيدي الولايات المتحدة منذ أن أقام البلدان علاقاتهما القائمة على المنفعة المتبادلة في عام 1945.
ومع ذلك، فإن هوة الخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية آخذة في الاتساع في الوقت الذي يعمل فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على تأكيد أهمية بلاده، وأهميته بشكل خاص، على المسرح العالمي.
وتوترت العلاقات بالفعل بسبب موقف بايدن من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018 وحرب اليمن ومؤخرا بسبب إرجاء الولايات المتحدة منح الأمير محمد، بعد تعيينه رئيسا للوزراء، حصانة من دعوى قضائية أمريكية بشأن مقتل خاشقجي.
وقال مصدر خليجي طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية الموضوع “يعتقد ولي العهد أن الإدارة الأمريكية تستهدفه بشكل شخصي ولذلك قرر الوقوف بوجهها وإثبات قوة موقعه داخل المملكة وأنه لا يهتم بالموقف الأمريكي”.
– خطأ فادح-
قال المصدر “(السعوديون) يؤمنون أن الأمريكيين لا يمكنهم المبالغة في معاقبة السعودية لذا فهذه معركة إرادة ومعركة قرارات سيادية”، مضيفا أن الرياض تعتقد أن بإمكانها امتصاص تداعيات الخيارات الأمريكية “المحدودة” للانتقام.
ولم يرد المكتب الإعلامي للحكومة السعودية على الفور على طلب من رويترز للتعليق.
واكتسب الأمير محمد بعض النفوذ على المسرح العالمي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير شباط، إذ تسابق الزعماء الغربيون، بمن فيهم بايدن نفسه، على زيارة المملكة طلبا لمزيد من النفط بهدف مكافحة ارتفاع التضخم وتكاليف الاقتراض في بلدانهم.
لكنهم غادروا جميعهم بخفي حنين.
وقال المحلل السعودي المقرب من الديوان الملكي علي الشهابي “محمد بن سلمان رجل معتد بنفسه للغاية… الولايات المتحدة تمثل بالتأكيد شريكا يرغب الأمير محمد في أن يظل وثيق الصلة به ويعمل معه، لكنه لن يسمح للبلاد بأن تكون تحت رحمة أهواء السياسيين الأمريكيين”.
وأضاف “لقد بذل جهدا كبيرا منذ البداية لإبلاغ الولايات المتحدة بأنه يريد علاقات ممتازة. لكن السياسيين الأمريكيين يواصلون العزف على نغمة مقتل خاشقجي والذي اعترف الأمير محمد بأنه كان خطأ فادحا قبل أربع سنوات”.
ويدرك الأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة، قوة الرياض في سوق النفط ومكانتها كقوة موازنة لإيران، وقد يختار التمسك بموقفه في مواجهة الانتقادات الأمريكية.
لكن نقطة ضعف الرياض هي الأمن. وقالت السعودية مرارا إنها تواجه تهديدات من إيران والجماعات التي تعمل بالوكالة لصالحها، لا سيما بعد هجمات 2019 التي أضرت مؤقتا بإنتاج النفط في السعودية وهزت أسواق الطاقة. وألقت الرياض باللوم على طهران التي نفت مسؤوليتها.
وشدد العديد من المسؤولين السعوديين علنا على أن قرار أوبك+ لا علاقة له بالسياسة، لكنه كان قرارا “تقنيا” يهدف إلى حماية استقرار سوق النفط في مواجهة إجراءات التشديد النقدي والمالي حول العالم.
وسلط وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الضوء على الاهتمام المشترك للسعودية والولايات المتحدة في الحفاظ على التعاون الأمني والعسكري للمساعدة في إرساء الاستقرار الإقليمي وتعزيز صناعة الدفاع الأمريكية.
– مبيعات الأسلحة-
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس عند سؤاله خلال إفادة يوم الأربعاء حول إعادة تقييم العلاقة مع الرياض “بكل تأكيد، لن نغض الطرف عن التهديد الذي تشكله إيران، ليس فقط بالنسبة للمنطقة، ولكن في مناطق أخرى أيضا”.
وقالت إليزابيث كيندال، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في كلية جيرتون في جامعة كمبردج، إن أقصى ما يمكن للولايات المتحدة فعله عمليا هو وقف مبيعات الأسلحة للسعودية.
وأضافت “التحدي هنا يكمن في أنه من مصلحة الولايات المتحدة استراتيجيا واقتصاديا أن تستمر في تسليح السعودية حتى تتمكن من حماية بنيتها التحتية النفطية… وتجنب إقامة (الرياض) علاقات أوثق مع روسيا والصين”.
وتضغط الرياض على واشنطن لتزويدها بمزيد من بطاريات صواريخ باتريوت وإلغاء سياسة تزويدها بأسلحة دفاعية فقط، وهو الشرط الذي وضعته إدارة بايدن بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية في حرب اليمن.
وقال جيريمي بيني، الخبير المختص بشؤون الدفاع في الشرق الأوسط في شركة جينس للاستشارات الدفاعية، إن السعوديين يعتمدون بشكل أكبر على الولايات المتحدة في دعم سلاح الجو، سواء من حيث القدرات الدفاعية والهجومية.
وأضاف بيني أنه حتى لو كان السعوديون مستعدين لسحب استثماراتهم الضخمة في المعدات العسكرية الأمريكية، فإن الدول الأخرى لن تكون بنفس القدرة لتوفير إمدادات مماثلة، خاصة وأن صناعة الدفاع الروسية تواجه صعوبات في الحصول على تقنيات متطورة بسبب العقوبات.
ونتيجة لمقتل خاشقجي على يد عناصر سعودية وقمع المعارضة في الداخل، أصبح الأمير محمد، الذي كان يُشاد به في السابق باعتباره زعيما إصلاحيا، يُنظر إليه في الغرب على أنه زعيم متهور ولا يمكن الوثوق به.
ونفى الأمير محمد، الذي يواجه دعوى قضائية أمريكية بشأن مقتل خاشقجي، تورطه في العملية.
وقال مصدر خليجي آخر طلب عدم نشر اسمه “إنه وضع صعب للغاية. هناك موقف متعلق بالانتخابات (من جانب بايدن) لكن هناك أيضا مرارة (لدى الجانبين). ولكن يمكن تسوية هذه الخلافات ومعالجتها في نهاية المطاف”.
المصدر/ رويترز.
Comments are closed.