عبق نيوز|تنزانيا/ السويد| تأثر الكاتب التنزاني الحائز جائزة نوبل للآداب لسنة 2021 عبد الرزاق قرنح بما شهده خلال شبابه من أضرار سبّبها الاستعمار الأجنبي و”السياسة العنصرية” على السواء، وانعكس ذلك على نتاجه الروائي.
وساهمت الجائزة العريقة التي تُمنح في ستوكهولم في إخراج هذا الكاتب التنزاني والبريطاني من الظل في الثانية والسبعين من عمره، وأكسبته مكانة عالمية، وهو اليوم في باريس للترويج للترجمة الفرنسية لمؤلفاته عن دار “دونويل” للنشر.
وتتيح روايات قرنح التعرّف من كثب إلى مجرى حياته كبالغ في إنكلترا، إذ أوردها من خلال شخصيات قصصه، ومنها وصوله إلى عاصمة الضباب الباردة كطالب لجوء، والفقر الذي عاشه، وارتقاؤه من خلال التحصيل العلمي.
ولكن ماذا عن المراحل المبكرة من حياته في مسقطه جزيرة زنجبار في المحيط الهندي؟ في الكلمة التي ألقاها لدى تسلمه جائزة نوبل، تحدّث عن التلميذ الذي كانه على مقاعد المدرسة، وعن نهم للقراءة والكتابة كان لديه، وشكّل أولى ملامح ميوله الأدبية، ومؤشراً مبكراً إلى الروائي الذي سيصبحه.
ويقول قرنح رداً على سؤال عن أصوله، إن عائلة والده كانت يمنية، أما أسرة والدته فهي “من مومباسا، من الساحل”.
– يُعتبر أجنبياً –
كان عمّ عبد الرزاق قرنح تاجر جملة ثرياً في مجال الأسماك والتمور والتوابل وسواها، وظّف في شركته جميع أفراد الأسرة، فيما كانت زنجبار في تلك الحقبة محمية بريطانية وبقيت كذلك إلى العام 1963. ويصف قرنح نفسه بأنه من الطبقة الوسطى.
إلا أن زنجبار شهدت عام 1964 ثورة ذات توجهات ماركسية كوبية أسفرت عن مصادرة الممتلكات، وقادت إلى اضطهاد السكان المتحدرين من شبه الجزيرة العربية.
ويقول قرنح لوكالة فرانس برس “لقد كانت حقبة صعبة على الجميع وخصوصاً على من كانت الحكومة تعتبرهم أجانب. وكان الأمر يندرج ضمن مسار توجه إلى عنصرية ظالمة كلياً”.
وفي ظل انسداد آفاق المستقبل على الجزيرة كما في دولة تنزانيا الوليدة على البر الرئيسي، ترك قرنح زنجبار متوجهاً إلى بريطانيا، حيث عانى الفقر لكنه تمكن من الارتقاء بفضل التحصيل العلمي. وأصبح أستاذاً جامعياً قبل أن يستحيل كاتباً، ونشر روايته الأولى في سن التاسعة والثلاثين.
وتتعدد بين سطور مؤلفات قرنح المواضيع التي طبعت حياته، كالعنصرية والتراث الاستعماري والهجرة والهوية، تعبّر عنها شخصيات رواياته، وهي من المهاجرين الأفارقة مثله.
وعندما حصل على جائزة نوبل، لم يكن يعرفه سوى عدد قليل جداً من التنزانيين. وبعد ابتهاجهم، تساءلوا لماذا؟ هل يقرأون ما يكفي؟ ما الضرر الذي أحدثته ثورة 1964؟
“جميعنا زنجباريون”-
ويقول قرنح “العرب أيضاً احتفلوا بي ككاتب يمني. قلت: حسناً، لا بأس بذلك إذا أردتم. لا أشعر أني كذلك، ولكن لا بأس”.
ويضيف الكاتب “قبل كل شيء، أرى نفسي زنجبارياً”. ويستذكر انضمام عائلته إلى الحزب القومي في زنجبار الذي كان يقوم على الفكرة الآتية: “لسنا هنوداً ولا عرباً ولا أفارقة ، جميعنا زنجباريون”. وإذ يرفض التطرف، يقول “بالطبع السياسة العنصرية ربحت، لكنني ما زلت أرغب في الانتماء” إلى هذا المثل الأعلى.
أما الركن الآخر فكان مناهضة الاستعمار التي لا تزال عنصراً أساسياً في شخصية الروائي.
وقال في كلمته لدى تسلمه جائزة نوبل “المنتمون إلى جيلنا هم أبناء مرحلة الاستعمار كما لم يكن آباؤنا ولا كان من جاء بعدنا”. وكان ذلك يبدأ من المدرسة، حيث كانت الإنكليزية اللغة المعتمدة، مع ان السواحلية هي لغته الأم، وكانت ثقافة أسلافه في زنجبار تتلاشى.
وبعد عقود طويلة من الهيمنة البريطانية، وجد قرنح وأبناء جيله أنفسهم أمام “ما حققته الثقافة الاستعمارية”. ويقول “كان على الناس أمثالنا أن يعملوا بجد أكبر لفهم وتعريف علاقتهم بالثقافة الاستعمارية”.
ويتفهم قرنح اليوم جيل الشباب الذي يريد هدم تماثيل المستعمرين، من بريطانيين وسواهم. ويرى أن “الدلالة الرمزية لذلك جيدة، وهي تثير كل هؤلاء اليمينيين (…)وهذا يعني أن المسألة لا تزال حية”.
المصدر/ وكالة الصحافة الفرنسية.
Comments are closed.