عبق نيوز| سوريا /دمشق| بين ليلة وضحاها، استيقظَ سكان حارات ضيقة في دمشق القديمة على مشهد غير مألوف، بعدما زيّنت 15 ألف حمامة مصنوعة من الخزف المكان، في إطار معرض تجهيز جماعي يروي سيرة سنوات الحرب والأمل بغد أفضل.
ويجسّد المعرض الذي يحمل عنوان “كان يا ما كان.. شباك” ويشارك فيه 16 طالباً من كلية الفنون الجميلة حلم أستاذتهم بثينة العلي التي خططت لإقامة المعرض قبل 11 عاماً، لكن اندلاع النزاع الذي بدأ باحتجاجات شعبية أجّل حلمها وبقيت حماماتها مخبأة في مستودعات محصنة طيلة السنوات الماضية.
وتقول العلي (48 عاماً) لوكالة فرانس برس “كنتُ أحلم أن أزيّن وسط مدينتي وأعلق الحمامات في مكان مكتظّ ليراها الناس يومياً، لكن الحرب غيّرت كلّ شيء، واضطررتُ إلى تأجيل حُلمي كل هذا الوقت”.
واضطرت العلي كذلك إلى “تغيير مكان العرض إلى جزء أحبه في مدينتي وهو دمشق القديمة”.
وبعدما كانت على وشك التخلي عن تنفيذ فكرتها جراء ظروف الحرب القاسية وخسارتها اثنين من أفراد عائلتها، أبصر المعرض النور أخيراً.
وتشرح العلي “اقترحت على طلابي أخيراً أن يأخذوا الحمامات، ويعلقوها وفق أفكارهم ومنظورهم”، على أمل أن تشجعهم على تنمية خيالهم رغم “أوجاعهم”.
وعلّق الطلاب الحمامات البيض في باحات منزلين تقليديين، أحدهما صالة عرض، في دمشق القديمة ومنها باتجاه الأزقة الضيقة المؤدية إلى حارات قريبة ليكون المعرض بهذا الشكل الأول من نوعه في البلاد. وقد تم افتتاحه في 3 نيسان/أبريل ويستمر حتى 15 منه.
وتحوّلت منطقة كاملة من المدينة القديمة إلى ما يشبه “حكاية مفتوحة في الهواء الطلق، ينطلق مَن يسير بجوارها من قصة إلى أخرى”، وفق ما يقول مالك صالة العرض سامر قزح لوكالة فرانس برس.
ويضم المعرض أعمالاً فنية مختلفة نفّذها الطلاب عبر استخدام الحمامات كعنصر رئيسي في المشهد، تعتبر العلي أن “الحزن هو العامل المشترك بينها”، وقد “أبدعوا” في التعبير عنه.
– “تلاش وعجز” –
تحت عنوان “في تلاش مستمر”، يعرض الطالب حمود رضوان (24 عاماً) صوراً لأصدقائه الذين دفعتهم سنوات الحرب التي أتمت عامها الحادي عشر إلى الهجرة، بحثاً عن بدايات جديدة.
ويضيف “أتمنى ألا تزداد صور من نفقدهم سواء جراء الموت أو السفر”.
وتسبّبت الحرب السورية منذ اندلاعها بمقتل نحو نصف مليون شخص، وأدت إلى تشريد وتهجير نحو نصف عدد السكان.
في زقاق ضيق، تعلو أصوات قرقعة صحون ربطها الطالب بيار حماتي بحمامات معلقة فوق مائدة خشبية في عمل فني أطلق عليه تسمية “العشاء السوري”.
ويشرح بيار (25 عاماً) لوكالة فرانس برس “تمثل المائدة موائدنا، وتشبه الصحون صحوننا الخالية” في بلد بات غالبية سكانه يعيشون تحت خط الفقر ويعاني قرابة ستين في المئة منهم من انعدام الأمن الغذائي.
ويضيف “هذه الحمامات هي نحن (..) وهذه أحلامنا وطموحاتنا وحقوقنا التي لم يعد لها أي قدسية”.
وتعرض الطالبة زينة تعتوع 300 حمامة كما لو أنها تخرج من بيت مهجور، “يشبه بيوت ثلّة من السوريين”، وفق قولها.
وتحمل الحمامات رسائل كتبها أطفال ويتحدثون فيها عن أحلامهم وطموحاتهم.
في عمل آخر بتوقيع الطالبين رنيم اللحام وحسن الماغوط، تبدو حمامات محبوسة داخل أقفاص. ووضعت الطالبة زينة طيارة على رأسه حمامات أخرى ضوءاً صغيراً “للتعبير عن الأمل ضمن هذا الكم الكبير من الوجع”.
واختارت الطالبة جلنار صريخي عنوان “العجز” لعملها الفني الذي جسّدته عبر حمامات معلقة من أرجلها في السقف.
وتقول الشابة لوكالة فرانس برس “لم أستطع تخيّل الحمامة وهي تطير، بل شاهدتها معلّقة من أرجلها، شأنها شأن ألمنا وتعبنا اللذين لا نستطيع أن نفعل شيئاً حيالهما”.
المصدر/ وكالة الصحافة الفرنسية.
Comments are closed.