عبق نيوز| ليبيا / طرابلس| الاجتماع الذي ترأسه النائب الأول لرئيس البرلمان الليبي فوزي النويري، وحضره 48 نائبا في العاصمة طرابلس، قبيل يوم من جلسة لمجلس النواب في مدينة طبرق (شرق)، الإثنين، بمثابة خطوة نحو بدء فرز الصفوف استعدادا لمعركة سياسة حاسمة حول من سيرأس الحكومة في المرحلة القادمة.
النويري، عقب هذه الجلسة التشاورية، أوضح أن “الأمر الذي يفرض على الليبيين أن ينتظروا تمثيلا في مجلس النواب من أجل الوصول لخارطة طريق تتضمن حلولا لكافة الأزمات والمسارات وفي مقدمتها المسار الدستوري، والذي من شأنه أن يوصل للانتخابات”.
وهو بهذا التصريح يؤكد على أولوية الاستفتاء على الدستور أو على الأقل وضع قاعدة دستورية قبل إجراء الانتخابات، على خلاف خريطة الطريق التي يحاول رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فرضها على الجميع، من خلال التركيز على تغيير الحكومة قبل الذهاب للانتخابات.
فعقيلة، خصص جلسة الإثنين، للنظر في ملفات المترشحين لرئاسة الحكومة، قبل اختيار رئيس حكومة جديد الثلاثاء المقبل، خلفا لعبد الحميد الدبيبة، متجاهلا طلب 62 نائبا من الداعمين للأخير من أجل تأجيل هذه الجلسة لمزيد من التشاور.
ويحتاج عقيلة، أن يحضر جلسة الثلاثاء المقبل 120 نائبا على الأقل، لتكون جلسة اختيار رئيس حكومة جديدة “قانونية ودستورية”، بينما يمثل الداعمون للدبيبة أكثر من نصف النواب الذي حضروا آخر جلسة مكتملة النصاب في يناير/كانون الثاني الماضي (122 نائبا).
– النويري يختار معسكره-
والنويري، الذي يتحدر من مدينة صرمان (60 كلم غرب طرابلس)، كان إلى وقت قريب منحازا لصف عقيلة، حتى عندما تخلى أغلب النواب عن الأخير بعد العدوان على طرابلس في 2019.
إلا أن النويري، الذي كان يعمل في المحاماة، أصبح أكثر قربا من معسكر الدبيبة، واجتمع أكثر من مرة مع مسؤولي السلطة التنفيذية في طرابلس، على غرار حضوره ملتقى “الدستور أولا”، إلى جانب أبرز رجال الدولة في السلطات التنفيذية والقضائية وحتى التشريعية، في رسالة واضحة لعقيلة صالح، رافضة لخارطة الطريق التي يسعى فيها لتغيير “الحكومة أولا”.
وآخر لقاء جمع النويري، بمسؤولي الدولة، كان في 30 يناير المنصرم، بمقر البنك المركزي، بطرابلس، وحضر الاجتماع كل من الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) خالد المشري، بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي الصديق الكبير.
وبعد أيام قليلة من هذا اللقاء، وجه النويري، دعوة للنواب المعارضين للقاء استشاري، بطرابلس، بعد رفض عقيلة تأجيل، جلسة الإثنين، للنظر في ترشيحات كل من فتحي باشاغا وأحمد معيتيق، ومروان عميش، لرئاسة الحكومة.
ومن شأن هذا اللقاء التشاوري، تنسيق مواقف النواب المعارضين لانفراد عقيلة باتخاذ القرارات في مجلس النواب دون الرجوع إلى الجلسة العامة للنواب للتصويت على القرارات المصيرية.
فعقيلة، انفرد بتأويل انتهاء ولاية حكومة الوحدة في 24 ديسمبر الماضي، دون الرجوع للنواب، وأطلق مسار تشكيلة حكومة جديدة بطلب من 13 نائبا من الموالين له، وتجاهل طلبات 62 نائبا معارضا.
وهذا ما أشار إليه النائب عن مدينة مصراتة محمد الرعيض، عندما قال “الاجتماع سيكون بمثابة رسالة إلى عقيلة صالح، الذي لا يريد الاستماع لآراء عدد من النواب، ويستخدم جلسات طبرق لتمرير ما يريده فقط”.
لذلك فالاجتماع التشاوري للنواب بطرابلس سيكون بمثابة تحذير لعقيلة، من خطورة الانفراد بقرارات البرلمان، والتلويح بإمكانية الإطاحة به من رئاسة مجلس النواب، واختيار النويري خلفا له.
وخطوة من هذا النوع، وإن كانت مستبعدة في الوقت الراهن، إلا أن إصرار عقيلة، على الإطاحة بالدبيبة، من شأنه الذهاب بالصراع إلى أبعد نقطة، ما قد يؤدي إلى انقسام البرلمان، وتشكيل حكومتين متوازيتين.
– إسقاط عضوية النواب-
ويستعد عقيلة صالح لهذه المرحلة من الصراع، عبر طرحه إسقاط عضوية النواب المتغيبين، للتخلص من خصومه، وقال إن من سيتغيب عن الجلسات “سيخصم من مرتبه بعدد الجلسات التي يغيب عنها، ولن يعتد بصوته في جلسات التصويت، بل قد يتعرض لإسقاط عضويته”.
ووصف النائب زياد دغيم (من الشرق) التهديد بإسقاط عضوية النواب المتغيبين بأنه “تصفية حسابات شخصية”، وأن النصاب الدستوري لإسقاط العضوية واضح ومحدد بموافقة 120 نائبا.
وسبق لعقيلة أن حاول إسقاط عضوية 35 نائبا مقاطعا في ديسمبر 2020، ولكنه أخفق في تحقيق ذلك لأن أغلبية النواب تخلوا عنه حينها، وانتخبوا رئيسا جديدا في طرابلس.
ودستوريا يبلغ عدد نواب البرلمان 200، لكن لم يتم انتخاب منهم سوى 188، بسبب تعذر إجراء الانتخابات في مدينة درنة (شرق) التي كانت خاضعة لجماعات متشددة، إلا أن هذا العدد تقلص بسبب الوفاة أو الاستقالة أو الاستقرار في الخارج.
ولم يبق منهم سوى نحو 170 نائبا، ولم يسبق لهذا العدد أن اجتمع من قبل منذ سنوات عديدة، وأكثر جلسة اجتمع فيها النواب خلال الأعوام الأخيرة كانت في مدينة سرت في مارس2021، والتي جمعت 132 نائبا، صوّت 131 منهم لصالح منح الثقة لحكومة الدبيبة.
– صراع صامت بين عقيلة والنويري-
والصراع بين النويري وعقيلة، لم يكن جليا، وإن تباينت مواقف الرجلين في أكثر من ملف.
إذ حاول النويري، بعد فشل الهجوم على طرابلس (يونيو 2020)، أخذ مسافة من عقيلة، وشكل رفقة 25 نائبا آخرين، ما سمي بـ”تيار الوسط”، وطالبوا بإعادة توحيد مجلس النواب، الذي كان منقسما بين طبرق (نحو 30 نائبا) وطرابلس (أكثر من 70 نائبا).
وتولى النويري، رئاسة مجلس النواب، لفترة قصيرة (سبتمبر 2021- يناير 2022)، بعد إعلان عقيلة ترشحه للانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في 24 ديسمبر الماضي، وقام بعدة نشاطات في المنطقة الغربية التي لم يسبق لعقيلة أن زارها منذ رئاسته للبرلمان في 2014.
وأهم خطوة قام بها النويري، خلال رئاسته للبرلمان بالنيابة، زيارته لتركيا، في 15 ديسمبر، على رأس وفد برلماني يمثلون مختلف مناطق البلاد، وحظي باستقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس البرلمان مصطفى شنطوب.
كما نجح النويري، في إجهاض محاولة مجموعة من النواب المقربين من عقيلة، لتغيير تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، للضغط على رئيسه محمد الحافي، بعد قبول القضاء ترشح كلا من الدبيبة، وسيف الإسلام القذافي، للرئاسة.
ففي 14 ديسمبر، قال النويري، “علمنا أن هناك قانوناً متداولاً ومنشوراً إعلامياً ومنسوباً لمجلس النواب، تحت رقم 11 لسنة 2021 بشأن نظام القضاء (..) جاري التحقق بشأنه من حيث وجود جلسة مسجلة مرئياً وموثقة كتابياً في التاريخ المشار إليه عرض بها هذا القانون أم لا”.
وتوعد النويري، بأنه “حال إثبات عدم صلة المجلس بهذا القانون أو الموافقة عليه، فإنهم سوف يتخذون الإجراءات القانونية كافة حيال ذلك”.
وهذا الموقف بيّن أن النويري، ليس جزءا من مخطط النواب الموالين لعقيلة، الهادف للإطاحة بمحمد الحافي، رئيس المحكمة العليا، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، بل وتمكن من التصدي لهم وإفشال هذه المؤامرة.
لذلك ليس من المستبعد أن يلعب النويري، دورا أكبر في المرحلة المقبلة على مستوى مجلس النواب، بدعم من الدبيبة والمنفي والمشري والكبير والحافي.
وتكتل هؤلاء الرجال الخمسة من شأنه التصدي لتحالف عقيلة وحفتر وباشاغا، في صراعهم لتصدر المشهد الليبي، ورسم خريطة الطريقة للمرحلة المقبلة، التي قد تستمر لأشهر طويلة، قبل الخروج من نفق المراحل الانتقالية.
المصدر/ وكالة الأناظول التركية.
Comments are closed.