عبق نيوز| الصومال/ مقديشو| تأكل صغار فهد عمرها أسابيع من زجاجات رضاعة خاصة بها مع أصوات خرخرة خفيفة… فهذه الحيوانات لا تزال في وضع هش بعيد إنقاذها من إحدى شبكات الإتجار غير القانوني بالحيوانات البرية الآخذة بالتمدد في القرن الإفريقي.
لم ينجُ نحو نصف الجراء التي أُنقذت من المهرّبين، فيما تسود مخاوف حول وضع الأصغر في هذه المجموعة، وهو صغير فهد ضعيف ملقّب بـ”غرين” (“الأخضر”) لا يتخطى وزنه 700 غرام.
وتقول مديرة صندوق الحفاظ على الفهود لوري ماركر أثناء تفقّدها الجرو الذي يموء في مركز الإنقاذ التابع للمنظمة غير الربحية في أرض الصومال “تأثّر +غرين+ كثيراً بما حصل معه”.
هذه الجراء في المركز محظوظة، إذ إن ما يقرب من 300 صغير فهد يُهرّب سنوياً عبر أرض الصومال إلى مشترين أثرياء في الشرق الأوسط يبحثون عن حيوانات غريبة ونادرة ليربوها في المنزل.
تُنتزع الجراء من أمهاتها، وتُشحَن من إفريقيا إلى اليمن ثم إلى الخليج، ويمكن أن يصل سعر الجراء التي تنجو إلى 15 ألف دولار في السوق السوداء.
وتُعتبر هذه التجارة ناشطة لكنها أقل شهرة من الاتجار المحظور قانونا بعاج الأفيال أو قرون وحيد القرن، لكنّها لا تقل ضررا على النوع الأكثر مواجهة لخطر الانقراض بين السنوريات في إفريقيا.
– “من الحب ما قتل” –
قبل قرن من الزمن، كان هناك نحو مئة ألف فهد في جميع أنحاء العالم. أما اليوم، فبقي بالكاد سبعة آلاف منها، وانخفضت أعدادها بسبب التمدد البشري وتدمير موائلها.
كما أن النهب المستمر للجراء من الطبيعة بهدف إشباع النهم المتزايد لتجّار الحيوانات الأليفة، يسرّع من تدهور أعدادها.
وبيع أكثر من 3600 فهد حيّ بشكل غير قانوني في جميع أنحاء العالم خلال العقد الذي انتهى في ديسمبر 2019، وفق بحث نُشر أخيراً ووثّق مئات الإعلانات لبيع الجراء في منصات التواصل الاجتماعي، بما يشمل يوتيوب وإنستغرام.
وتقول ماركر “إذا استمرت الأمور على هذا النحو… ستتسبّب هذه المتاجرة في انقراض الفهود خلال وقت قصير جدّاً”.
وأثارت الفهود اهتماما كبيرا كحيوانات منزلية ورفيقة للصيادين منذ الإمبراطورية الرومانية، ومن المعروف أنّ تكاثرها في الأسر أمر صعب، ما يجعل الإمساك بالجراء في البرية الخيار الوحيد.
وركّز جزء من الحملة لوقف تجارة الفهود في الزمن المعاصر على تغيير النظرة في دول الخليج الثرية التي تُعتبر سوق المشترين الرئيسي حيث لا يزال اقتناء الفهود في بعض الأوساط أداة للتباهي.
وتوضح ماركر أنّ مالكي الفهود الأثرياء يحبّون التفاخر بفهودهم من خلال صور سيلفي بقدر ما يحبون سياراتهم وأموالهم، مضيفةً أنّ “هنالك نوعاً من المزايدة والمفاخرة في الأمر”.
وتتابع “تتمثّل إحدى رسائلنا بالدعوة إلى عدم إبداء +الإعجاب+ بهكذا منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي”.
– تجارة وحشية –
تشكّل مكافحة هذه التجارة الإجرامية تحدّياً خاصاً إذ تدور حول أرض الصومال التي أعلنت نفسها جمهورية من دون أي اعتراف دولي، وهي واحدة من أفقر مناطق العالم.
وتعاني المنطقة التي تقرب مساحتها من مساحة سوريا، مع خط ساحلي بطول 850 كيلومتراً قبالة اليمن، ضعفا كبيرا في ضبط الحدود المتاخمة لإثيوبيا وجيبوتي والصومال والتي يسهل اختراقها.
ويوضح وزير الداخلية في أرض الصومال محمد كاهن أحمد لوكالة فرانس برس أنّ وحدة صغيرة من خفر السواحل تبذل قصارى جهدها في هذا المجال، لكن بصرف النظر عن تسيير دوريات لحماية الفهود، كانت هذه العناصر تواجه متاجرين بالبشر ومهربي أسلحة.
وتعاني الجراء التي يمسكها مهرّبون من سوء معاملة فظيعة طوال الطريق الذي تسلكه عملية التهريب، وتتغذّى بشكل غير سليم وتُحبس في أقفاص صغيرة، وأحيانًا تكون قوائمها مربوطة بأربطة بلاستيكية.
وتقول ماركر إنّ عملية ضبط حصلت في العام 2019 أظهرت الوحشية الممارسة في حق هذه الحيوانات، مضيفةً “عندما ألقى المهرّبون بها، كان هنالك فهود حيّة تموت فوق فهود نافقة… الأمر كان مروعاً”.
وفي السنوات الأخيرة، ازدادت عمليات المصادرة مع تشديد الحكومة إجراءاتها لقمع هذه التجارة.
وفي حين كان يحمي صندوق الحفاظ على الفهود عدداً قليلاً من الجراء في العام 2018، يؤوي الموقع حالياً 67 فهداً تم إنقاذها في ثلاثة ملاجئ آمنة في هرجيسا عاصمة أرض الصومال.
كذلك، بدأ تطبيق القوانين التي تجرم بيع الفهود.
وفي أكتوبر 2020، ضُبطت حلقة تهريب وجرت مقاضاة مهرّب بارز في محاكمة تاريخية.
– الأجيال المقبلة –
تعمل أرض الصومال من خلال برنامج تموّله حكومة المملكة المتحدة، على توسيع تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الدول المجاورة واليمن لمحاربة المجرمين الذين يسرقون أنواعاً رئيسية ومعروفة في أفريقيا.
وتعمل الحكومة المحلية كذلك مع المجتمعات الريفية الفقيرة، التي يشكل صراعها مع الفهود محركاً آخر لعمليات التجارة غير القانونية.
واستولى المزارعون على أربعة جراء على الأقل من بين 13 جرواً صودرت بين سبتمبر ونوفمبر، آملين في بيعها وتعويض خسائرهم بعد زعمهم أنّ الفهود قتلت مواشيهم.
وقالت وزيرة خارجية أرض الصومال السابقة إدنا عدنان إسماعيل، في مؤتمر لمكافحة الصيد الجائر عُقد في سبتمبر “قد لا يرى الجيل المقبل فهداً واحداً إذا استمرت هذه التجارة غير المشروعة”.
وتعلّم الطبيب البيطري المحلي أحمد يوسف إبراهيم (27 عاماً) كيفية رعاية الجراء المريضة لتسترجع صحتها، وأصبح متعاطفاً معها ومولعاً بالاهتمام بها.
ولا يمكن لهذه الفهود المريضة أن تدافع عن نفسها، وفي النهاية ستُنقل إلى ملجأ طبيعي أوسع خارج هرجيسا.
لكن في الوقت الحالي، يُعتبر إبراهيم المسؤول عنها حتى التأكّد من حصول الصغار والكبار منها على حصص مناسبة من لحم الإبل.
ويقول الطبيب البيطري “أهتم بهذه الفهود، إذ أُطعمها وأُنظفها. إنّها بمثابة أطفالي”.
المصدر/ فرانس برس العربية .
Comments are closed.