عبق نيوز| فلسطين/ القدس| هذا الفايروس أيقظنا من سبات طويل بقينا فيه أسرى عالمنا الافتراضي، وجعلنا نستفيق من خلاله على عالم واقعي لا نستطيع معه مغادرة أبواب منازلنا.
لأول وهلة عند النظر إلى العالم ومدنه بأعين متسعة نكتشف مدى ضعفنا بعد تسلل وباء خطير بسرعة هائلة إلى كل بقاع المعمورة. لم يترك منطقة إلا غزاها وسلب منها ما سلبه من أحبة وحياة طبيعية وترك ما تركه من تراكمات أليمة على علاقات اجتماعية وسياسية بين الأفراد والمجتمعات والدول بحد ذاتها.
لم يترك كورونا مكانا إلا داس عليه. شوارعنا، أخلاقنا، تقاليدنا، حياتنا اليومية حيث تسبب في عزلة قاسية للعالم، جعله أكثر “عنصرية” في التعامل مع مرضاه، ومعه اكتشفنا حجم الضعف الذي نعيشه يوميا على كامل المستويات الاجتماعية والحياتية والسياسية والاقتصادية.
العلاقات الاجتماعية أضحت بحاجة إلى إعادة قراءة ما بعد كورونا. هذا الفايروس أيقظنا من سبات طويل بقينا فيه أسرى عالمنا الافتراضي، وجعلنا نستفيق من خلاله على عالم واقعي لا نستطيع معه مغادرة أبواب منازلنا.
الضعف الذي نعيشه عميق جدا، واكتسح كامل خلايا أجسادنا وتفكيرنا الاجتماعي والنفسي. إعادة تقييم السلوك والعادات والتقاليد لن تحتاج إلى دراسات نفسية وطبية وعلمية بعد ما فرضه وباء كورونا نتيجة لقرارات حكومية وسياسية من عزلة فردية واجتماعية. ربما بعد كورونا علاقاتنا الاجتماعية والعملية ستكون أكثر تعقيدا وتحتاج إلى علاجات نفسية.
وضعنا في “الحجر الذاتي” غيّر الكثير من نوعية التواصل الاجتماعي ودفعنا إلى إعادة اكتشاف الذات. قبل كورونا كانت علاقات افتراضية أكثر. كنا محصورين ومازلنا في عالم فيسبوك ومواقع تواصل اجتماعي أنهت الكثير من العلاقات القريبة. ربما لم يجد الكثيرون حول العالم مشكلة في هذه العزلة، لأن الحياة أضحت بهاتف محمول. ولو تمعنا جيدا في كل الصور القادمة من بلدان العالم لوجدنا أن كل شخص التقطته العدسات يحمل هاتفا ذكيا ومنغمسا فيه ولا يهتم بواقعه الملموس الآني!
الفجوة تعمقت الآن وستدفع نحو إعادة قراءة متأنية لعلاقاتنا ما بعد كورونا. العالم سيتغير على كل المستويات.
ما جرى الآن بعد كورونا أن تلك الفجوة اتسعت أكثر في العلاقات الاجتماعية. الفايروس المستجد يبدو أنه جاء ليخبرنا كم كان علينا الاهتمام أكثر في علاقاتنا وقربنا قبل أن يفرقنا لمسافات بنصائح طبية.
الفجوة تعمقت الآن وستدفع نحو إعادة قراءة متأنية لعلاقاتنا ما بعد كورونا. العالم سيتغير حتما بعد زوال هذه الغمة، سيتغير على كل المستويات والمجالات والعلاقات والمصالح. خارطة السياسة ستُرسم على وقع ما ستنتهي إليه المأساة الجديدة، وأيضا خارطة العلاقات الفردية الاجتماعية ستتأثر كثيرا بهذا الوباء.
الملاحظ اليوم في ظل الحياة مع أجواء الوباء المنتشر في كامل أصقاع الأرض، يدفعنا إلى التساؤل عن سرّ الفايروس والنصائح الطبية لتجنّب العدوى منه، فنجدها كلها لها علاقة بأنماط حياتية اجتماعية لو تركناها ستجلب القطيعة مع من حولنا. وتنقذنا ربما من الفايروس.
لا تصافح، لا تقترب من أحد، ضع مسافة أمان مع الآخرين، لا تلمس أيّ شيء غير معقم. كلها تجنبنا الوباء. التساؤل ما بعد الانتهاء من هذه الكارثة العالمية، هل سنتصافح مثلما كنا نفعل ما قبل كورونا. لا شك أن تأثيرات كورونا ستكون كارثية في كل مناحي الحياة. ستجعلنا نشك في كل صغيرة وكبيرة. ستجعلنا أكثر احتياطا للنظافة، ستقوّم سلوكنا وتعدل بوصلته لاتجاهات غير اجتماعية. قد تغيرنا وتكشف عن ذات داخلية كانت تميل نحو العزلة لدى البعض، وربما تصحّح بعض المفاهيم الاجتماعية والمجتمعية. جاء كورونا وقد ينتهي قريبا جدا، لكن هل تبقى علاقاتنا؟ “ربما” نعم.
المصدر / المقال منشور بصحيفة العرب بتاريخ السبت 2020/03/28.
Comments are closed.