الكاتبة الليبية غادة أسعد الطبيب تكتب ” قراءة مبسطة في رواية التبر للكاتب ابراهيم الكونى”
عبق نيوز| ليبيا / طرابلس| رواية التبر للكاتب ” إبراهيم الكونى ” صدرت عن الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع في عدة طبعات. تقع في 152 صفحة من الحجم المتوسط.
( ما يحدث لبنى البشر يحدث للبهيمة , وحادثةواحدة لهم , موت هذا كموت ذاك ونسمة واحدة للكل فليس للإنسان مزية على البهيمة لأن كليهما باطل ) العهد القديم , سفر الجامعة , الاصحاح الثالث .
بهذا النص بدا الروائي الليبي إبراهيم الكونى روايته التبر وكأنه يمهد لما سيأتى بعدها ويعد القارئ اللحوح لما سيقرأه بين ثنايا هذه الرواية الفذة التى اكمل فيها الكونى ما بدأه في كتبه الأخري مثل رباعية الخسوف وهابيل وقابيل وغيرها من الروايات التى انتهج فيها خطا ادبيا واحدا لم يحيد عنه وهو الإنسان والصحراء .
يقوم الخط الأدبي عند الكونى على عناصر محدودة ومحددة وهى الانسان والصحراء وتلك العلاقة الخاصة التى تربط بينهما وهذا ربما ما يعيبه البعض عليه وهو (محدودية المكان ) و ( الزمان ) على الرغم من امتلاكه يراعا قادرا على الكتابة خارج هذه الثنائية والغوص في اعماق النفس البشرية وصراعاتها , لكن يبدو أن الكونى يصر على تفرده في الكتابة عن الصحراء وعوالمها وهذا ما يحسب له خاصة وأنه في كل مرة يفاجئ القارئ برواية مختلفة ومشابهة لما يسبقها ولما يليها فهو لا يخرج عن الصحراء وهؤلاء القاطنين فيها لكنه ينجح في كل مرة أن يخلب لب القارئ ويدير رأسه.
أوخيد ومهريه الأبلق هما المحور الأساسي لرواية التبر وحولهما تدور فكرة الخطيئة والحرية اللذان يصاحبان كل علاقة بشرية _بشرية أو بشرية _حيوانية فالأبلق هنا ليس حيوانا عاديا إنه الأبلق ( ص 8) .
أوخيذ ومهريه الأبلق كلاهما يرتكبان خطيئة لا تغتفر في عرف بدو الصحراء الطوارق وهى العشق وكلاهما يكفر عن خطيئته بطريقته (ص 37 ) في ملحمة وللمرة الأولي يكون البطل فيها حيوانا له سطوة على الأحداث وهى سابقة في الرواية العربية ولم يكررها الكونى إلا في رواية نزيف الحجر ..
قوة النص لدى الكونى تكمن في غرامه بالتفاصيل الصغيرة ووصفه للبيئة الصحراوية التى تخلب لب القارئ وتجعله يري تلك الأمكنة عبر الورق فهو يصنف ضمن كتاب الواقعية الرومانسية أو الخيالية تماما كالكولمبي غابرييل غارسيا ماركيز.( ص 60 )
تلك الفئة من الكتاب التى ترتكز في كتاباتها على البيئة الواقعية وأحيانا تستقي ما تكتب وتستند على أحداث وشخوص وقعت ووجدت بالفعل .
الشخوص الرئيسية هنا وهى اوخيذ والأبلق تصارع تلك الخطيئة في سبيل التحرر وهنا الحبكة الروائية التى تقوم عليها الرواية بشكل كامل , الصراع والتحرر والآثام هى ما تسبغ على البشر بشريتهم وحتى على المهري فهو الأبلق !
يحب ويجامع ويخصي تماما كمالكه الذى ورطه عشقه ل دودو وانساه الطبيعة البشرية الأولي وعلم انه لن يتوصل الى الخلاص إلا بالموت.
تجدر الأشارة ايضا الى اعتماد الكونى الكبير على القص الأسطورى في الكثير من مؤلفاته وفي هذه الرواية ايضا فهو يورد بعض اساطير الصحراء وآلهتها كما يورد شروحا مفصلة وهو ما يضفي المزيد من المتعة والتشويق على ما يكتبه..
فتش عن الأنثي هى الرسالة التى يخبئها الكونى في رواية التبر فهو يشير الى عشق الأبلق للمهرية البيضاء التى عشق أوخيذ صاحبتها وبسببها تم نفيه من القبيله وحاق به ما حاق به من مآسي اضطر للتكفير عنها هو وصديقه المهري .
الابلق هنا هو رفيق سفر ورفيق حياة , يناجيه أوخيد ويمسح دمعه ويحثه على الصبر عن الجرب الذى اصابه بعد جماعه المهرية الحسناء وكأن الكونى هنا أراد أن يلفت انتباه القارئ لتلك الخطيئة المرتكبة من كلا الصديقين.( ص86 )..
التبر كذلك هو خطيئة غير مغفورة في عرف الصحراء وبسببه هو الآخر سيفقد أوخيذ حياته في وصف قل نظيره في الروايات العربية يستغرق عدة صفحات , وصف دقيق يشعر القارئ معه ببشاعة الموت وبالتسليم من طرف البطل الذى علم أنه يستحق هذه النهاية البشعة.( ص 147 …. )
التبر ببساطة رواية عن الإنسان بحماقاته المرتكبة بعشقه للحياة وبحبه لكل ما غلي ونفس ……
كتبه : غادة أسعد الطبيب / عبق نيوز /-
عبق نيوز شبكة إخبارية مستقلة لا تنحاز إلى أي فكر او ايدلوجية، تنقل الخبر و تنشر عبقه حال وقوعه، تتخذ من شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) مقراً لها.
الخبر التالي
Comments are closed.