عبق نيوز| سوريا/ الأمم المتحدة / سويسرا| للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، يجلس ممثلو الحكومة السورية ومعارضوها الأربعاء على طاولة التفاوض حول الدستور، في خطوة تأمل الأمم المتحدة أن تمهّد لتسوية سياسية للنزاع، بينما تبدو دمشق، التي تفاوض من موقع قوة، ليست بوارد تقديم أي تنازلات، بحسب محللين.
وتشارك الحكومة في المفاوضات التي تحظى بإجماع كبير من القوى الدولية، بدفع رئيسي من حليفتها موسكو التي ترغب بتطبيع علاقات دمشق مع المجتمع الدولي، واضفاء “شرعية” على اتفاقاتها مع تركيا بشأن سوريا.
وتفتتح الأمم المتحدة الأربعاء عمل اللجنة الدستورية المؤلفة من 150 عضواً، يمثلون الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني بالتساوي، بغياب ممثلين عن الإدارة الذاتية الكردية، على أن تباشر لجنة الصياغة المنبثقة عن الوفود الثلاثة إثر ذلك عقد أولى جلساتها.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الثلاثاء إن بدء اللجنة لعملها هو “الخطوة الأولى على الطريق السياسي للخروج من مأساة النزاع”، الذي يمزّق سوريا منذ أكثر من ثماني سنوات، رغم أن قدرتها على تحقيق أي تغيير تبدو صعبة.
ويقول الباحث في مؤسسة “سنتشوري فاونديشن” أرون لوند لوكالة فرانس برس إن الرئيس بشار الأسد سيشارك “من موقع القوة(…) وليس لديه ما يخسره”.
ويوضح “إذا وجد أن عملية التفاوض أمست غير سارة لسبب معين، فلن يكون ذلك بالأمر المهم، إذ سيجد سبباً تقنياً لوقفها”.
وتنطلق اجتماعات اللجنة الدستورية عقب أحداث ميدانية غيّرت خارطة التحالفات في شمال شرق سوريا، حيث انتشرت القوات الحكومية التي تسيطر أساساً على نحو ستين في المئة من مساحة البلد، في مناطق سيطرة القوات الكردية خلال الشهر الحالي. وتمّ ذلك إثر هجوم تركي توقف لاحقاً بموجب اتفاقين منفصلين أبرمتهما أنقرة مع واشنطن وروسيا.
وفشلت كافة جولات التفاوض التي قادتها الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية، في تحقيق أي تقدم، جراء التباين في وجهات النظر بين دمشق والمعارضة. ولا تعني موافقتهما على التفاوض اليوم زوال هذه التباينات.
— “تعديلات” —
بحسب ميثاق تشكيلها، يعود للجنة أن “تراجع دستور 2012 (…) وأن تقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد”.
وتطالب المعارضة التي تبدو عاجزة عن فرض أي شرط، بوضع دستور جديد للبلاد، بينما تعتبر دمشق أنه “بتعديل” مادة واحدة من الدستور الحالي “يصبح لدينا دستور جديد”، وفق ما قال وزير الخارجية وليد المعلم قبل أسابيع.
ويتوقع الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر أن تقتصر المحادثات على “إدخال بعض التعديلات على الدستور الحالي” مستبعداً أن “تتم إعادة صياغة دستور بالكامل”.
ويوضح أن دمشق “استجابت للرغبة الروسية بتمرير اللجنة الدستورية من دون تقديم أي تنازلات كبيرة”.
وتبدو المعارضة اليوم أضعف من أي وقت مضى، مع تراجع وتيرة الدعم الغربي لها، وبعدما بات وجودها على الأرض يقتصر على فصائل مقاتلة تدعمها أنقرة في شمال وشمال غرب البلاد، وهي مناطق تخضع لاتفاقات أميركية روسية.
ولم تحدد الأمم المتحدة إطاراً زمنياً لعمل اللجنة التي تتخذ قراراتها بالتوافق، وإلا بأغلبية 75 % من الأصوات، لئلا يفرض أي طرف “املاءاته” على الآخر، وفق بيدرسون.
ويهدد هذان الشرطان اللذان فرضتهما دمشق على الأمم المتحدة، وفق محللين، بإدخال المفاوضات في حلقة مفرغة.
وأثارت تسمية أعضاء اللجنة الموسّعة خلافات بين دمشق والأمم المتحدة على مدى أشهر، قبل الاتفاق عليها الشهر الماضي.
ويشرح لوند أن قائمة المجتمع المدني التي كان يُفترض أن تشكلها الأمم المتحدة من محايدين، تم الاتفاق عليها بعد تضمينها أسماء محسوبة على النظام والمعارضة. ويرى أن تأمين النسبة المطلوبة من الأصوات قد يعتمد على ضغوط ستمارسها تركيا أو روسيا على قائمة المعارضة.
— “تطبيع” العلاقات —
بحسب لوند “لن تنتهي أي مفاوضات بين أعضاء اللجنة الدستورية بإجبار الأسد على القيام بما لا ينوي أساساً فعله”.
ولا تمانع دمشق، وفق ما يشرح رئيس تحرير صحيفة الوطن السورية، المقربة من السلطات، وضاح عبد ربه لوكالة فرانس برس “مناقشة من يرغب حول الدستور (..) ما دامت العملية سورية سورية بملكية سورية ودون أي تدخل أجنبي، وينتج عنها مقررات تحتاج إلى استفتاء الشعب السوري”.
ويضيف “نحن اليوم أمام امتحان للدول الغربية التي أيدت هذه العملية وتدعمها، وسنرى إن كانت فعلاً تريد للشعب السوري أن يقرر مصيره أو ستبقى مستمرة في حصارها الاقتصادي ودعم وتمويل الإرهاب”.
وانبثقت فكرة تشكيل هذ اللجنة عن اجتماع عقدته الأطراف الضامنة لاتفاق استانا في سوتشي، روسيا وايران وتركيا. وطالب وزراء خارجيتها أمس من جنيف بالدعم الدولي لضمان نجاح اللجنة في مهمتها كونها “الخيار الوحيد المتاح” حالياً.
وفي ظل عقوبات اقتصادية غربية تخضع لها سوريا منذ اندلاع النزاع، يقول لوند إنه “إذا اتضح أن بإمكانه (الاسد) أن يستخدم هذه المنصة، لفتح فرص جديدة وتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي، فسيفعل ذلك”.
وتطالب روسيا المجتمع الدولي بتمويل إعادة الإعمار، الأمر الذي تربطه الدول المانحة بتسوية النزاع سياسياً.
وأعرب رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة نصر الحريري قبل أسابيع عن خشيته من استخدام النظام وحلفائه اللجنة كـ”ورقة” للحصول على “أموال لإعادة الإعمار”.
ويقول لوند “ما يمكن أن تقوم به اللجنة الدستورية في أحسن الأحوال هو أن تضفي الشرعية الدولية لأي اتفاق قذر تتم صناعته خلف الكواليس”.
ويضيف “روسيا وتركيا ستكونان اللاعبان الأساسيان في العملية، لكنهما يعملان في ظل وضع هامد إلى حد ما وأمامهما الكثير من المصالح المتناقضة لحلها”.
المصدر / فرانس برس العربية.
Comments are closed.