عبق نيوز| العراق/ الموصل| في كل مرة تحاول رؤى إحسان البحث عن كتب تستعين بها بدراساتها العليا في علوم الأغذية، تجد صعوبة متزايدة في العثور على مراجع في الموصل التي دفعت ثمن حرب مدمرة ضد جهاديين أحرقوا ودمروا مكتبات ومراكز للقراءة والتعليم.
في المدينة التي عُرفت على مدى قرون بفنانيها وكتابها ومكتباتها الزاخرة بمؤلفات بلغات مختلفة، كانت قراءة الكتب التي لا تلبي توجهات تنظيم الدولة الإسلامية ممنوعة خلال سيطرة التنظيم على المنطقة، وتتسبّب لأصحابها بأنواع شتى من العقاب.
وتقول رؤى بحسرة لوكالة فرانس برس “بعض الكتب لم يتم ترقيمها وفقدت إلى الأبد”، إذ تعرضت للحرق أو للدمار الذي خلفته المعارك.
ويواجه الطلبة والباحثون، بعد مرور قرابة عامين على استعادة السيطرة على المدينة من قبضة الجهاديين، “صعوبة بالغة في إكمال الأبحاث بسبب قلة المصادر”، بحسب ما يشير طالب الدكتوراه في التاريخ عبد الحميد محمد.
ويقول محمد (34 عاما) “بعد تحرير الموصل، يواجه الباحث صعوبة بالغة في إكمال بحثه بسبب قلة المصادر، وعليه الاعتماد على علاقاته الشخصية، أو الإنترنت في الحصول على بعضها”.
— “قبلة الباحثين” —
وحين يصعب الحصول على مراجع في الموصل، لا يتوانى أهل المدينة عن مغادرتها بحثا عن مراجع.
فقد توجّه واثق محمود (33 عاما) بهدف إكمال بحوثه في الهندسة المدنية، إلى بغداد التي تبعد أكثر من 400 كيلومتر جنوب الموصل، وأحيانا الى مدينة البصرة التي تقع على بعد ألف كيلومتر، للحصول على مراجع.
ويؤكد محمود لفرانس برس أنه قبل دخول الجهاديين في العام 2014 الى المنطقة، “كانت جميع المصادر التي يحتاجها الطالب متوفرة في الموصل”.
ويضيف بمرارة “اليوم انعكست الآية تماما، فبعدما كانت الموصل قبلة الدارسين والباحثين من كل أنحاء العراق والوطن العربي، يضطر أبناؤها إلى مغادرتها طلبا للعلم والكتب والمصادر من خارجها”.
وكانت الموصل مشهورة بمكتبتها المركزية العامة التي تأسست في العام 1921 في منطقة الفيصلية، وكانت تضم مؤلفات وكتبا قيمة ونادرة ومخطوطات تراثية وأثرية. وبين الكتب، مؤلفات باللغة السريانية طبعت في أول مطبعة أنشئت في العراق في نهاية القرن التاسع عشر في إحدى كنائس الموصل بمنطقة الساعة في غرب المدينة.
كما كانت الموصل تفتخر بمكتبات حكومية كبيرة، ومكتبة الأوقاف، ومكتبة جامعة الموصل، والمئات من المكتبات العائدة للجوامع والكنائس، إلى جانب المكتبات الأهلية في شارع النجيفي المتخصص ببيع الكتب والمعروف بشارع الثقافة والمكتبات.
لكن في فبراير 2015، أقدم تنظيم الدولة الإسلامية على نهب مكتبة الموصل، ودمّر هذا التراث بشكل منهجي، رغم محاولات الأهالي إقناع الجهاديين بالعدول عن ذلك، من دون جدوى.
— مخطوطة ألفية —
ويؤكد مختصون أن تنظيم الدولة الإسلامية جمع الكتب القيمة وقام ببيعها في السوق السوداء، بهدف تمويل جرائمه التي ترقى إلى “إبادة محتملة” في العراق وسوريا بحسب الأمم المتحدة.
بعد استعادة المدينة، أطلقت حملات عدة لإعادة ملء رفوف المكتبة المركزية بكتب ومخطوطات. فكانت استجابة كبيرة من جهات حكومية وأهلية وجامعات وأفراد ومنظمات مدنية، وتمّ التبرع بكتب علمية وتاريخية وأدبية. كما استعيدت كتب كانت فقدت من المكتبة.
ويقول معاون مدير المكتبة المركزية العامة جمال أحمد حسو لفرانس برس إن “أعداد الكتب بلغت بمختلف عناوينها 16338 كتابا قبل تعرض المكتبة للسرقة والتخريب، وتمت استعادة 11758 كتابا، بمعنى أن عدد الكتب المفقودة هو 4580 كتابا”.
في مكتبة الأوقاف التي كانت تضم كتبا دينية بصورة رئيسية، بقي حوالى 48 ألف كتاب من أصل 58 ألفا.
ويذكر شامل لازم طه (41 عاما)، أمين المكتبة التي يعود تاريخ تأسيسها لنحو مئة عام، أنه “كان بين الكتب 4361 مخطوطة مهمة ونادرة، سرقتها داعش كلها”، مشيرا الى أن بين المخطوطات “+المحيط البرهاني+ التي تعود لسنة 568 للهجرة”، وهي إحدى مؤلفات الشريعة الإسلامية
— أكثر من مليون كتاب ومخطوطة مفقودة —
ويلعب التضامن الأكاديمي العالمي اليوم دورا كبيرا في إنقاذ مكتبة جامعة الموصل، لكن استعادة المحتوى التوثيقي أمر بعيد المنال.
ويقول الدكتور في علوم الزراعة بجامعة الموصل محمد عبدالله لفرانس برس “الجامعة عازمة على إعادة بناء المكتبة وإرجاعها كما كانت مصدراً غنياً بالعلم والمعرفة. لدينا شراكات وعروض عديدة في هذا المجال”.
لكنه يضيف أن “المكتبة فقدت أكثر من مليون كتاب في مجالات علمية وأكاديمية متنوعة، منها أكثر من 3500 مطبوعة قيمة، بينها مخطوطات ودوريات يبلغ عمرها 300 سنة، ونسخ من القرآن الكريم تعود للقرن التاسع، وهذه تعرضت للنهب والحرق”.
ويلفت أمين مكتبة جامعة الموصل عمر توفيق عبد القادر (38 عاما) إلى أن الخسائر تبلغ “ما بين 90 إلى 95 في المئة من مجموع محتويات المكتبة”.
ويبين أنه “تم إنقاذ أكثر من ثلاثة آلاف كتاب، فيما لا يزال أكثر من أربعة آلاف كتاب غير صالح تم الاحتفاظ بها في المخازن”.
ويشير عبد القادر إلى أن منظمات وجامعات وهيئات من داخل العراق وخارجه قدّمت بعد الحرب ما يقارب مئة ألف كتاب هدية للمكتبة.
وكان لأهالي الموصل دور في إنقاذ الإرث الثقافي.
فقد تمكن أبو محمد (33 عاما) الذي يعمل مقاولا في معدات البناء، من إنقاذ عدد كبير من الكتب والمجلات من المكتبة المركزية خلال حريق اندلع فيها في 2015، وخبأها في سرداب أحد البيوت القديمة المهجورة، قبل أن يعيدها اليوم إلى المكتبة.
ويقول أبو محمد “انتشلت مع أحد الأصدقاء أكثر من 750 كتابا. حمّلناها في أكياس صغيرة عند احتراق المكتبة، رغم أن العملية كانت محفوفة بالمخاطر”.
المصدر / فرانس برس العربية .
Comments are closed.