عبق نيوز| سوريا / ادلب | مهّد اتفاق المنطقة العازلة في إدلب الطريق أمام حراك دبلوماسي تقوده روسيا وتركيا ويهدف الى تحريك العملية السياسية في محاولة لتسوية النزاع السوري الذي تسبّب خلال سبع سنوات بمقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، ولو أن التوقعات في أن يؤدي الى نتيجة تبقى متدنية.
وشكّل الملف السوري خلال الأسبوع الماضي محور حركة سياسية متسارعة، بدأت بزيارة المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا دمشق، ثم توجه وفد من المعارضة السورية برئاسة نصر الحريري إلى موسكو، وأخيراً قمة اسطنبول التي جمعت قادة دول تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا.
ويقول المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة يحيى العريضي لوكالة فرانس برس “فتح اتفاق إدلب الطريق (…) ولا شكّ أن هناك ارتباطاً عضوياً بينه وبين العملية السياسية”.
وتوصلت روسيا وتركيا في 17 سبتمبر الى اتفاق بإقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومحيطها، بعدما لوحت دمشق على مدى أسابيع بشن عملية عسكرية واسعة ضد آخر معاقل الفصائل المعارضة والجهادية.
وتمّ بموجب الاتفاق سحب كافة الأسلحة الثقيلة من المنطقة المنزوعة السلاح، بينما لا يزال يُنتظر انسحاب الفصائل الجهادية منها.
وجاء هذا الاتفاق بعد استعادة قوات النظام خلال الأعوام الثلاثة الماضية أكثر من ثلثي مساحة البلاد بفعل الدعم الروسي. ولا تزال هناك منطقتان كبيرتان خارجتان عن سيطرتها: إدلب ومحيطها حيث النفوذ التركي، ومناطق سيطرة الأكراد المدعومين أميركياً في شمال شرق البلاد.
ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في الشأن السوري جوليان تيرون “أي مواجهة اليوم بين القوى المحلية ستفضي غالباً إلى مواجهة أو رد من الدول التي ترعاها”.
وبالتالي، “لا يمكن لأحد أن يحقق الاستقرار او إعادة إعمار البلد من دون مساندة أو موافقة الجهات الأخرى. ولذلك، فإن الخيار الدبلوماسي يبدو حتمياً”.
— “فورة دبلوماسية” —
وتهدف روسيا أساساً من خلال مساعيها السياسية اليوم إلى إقناع المجتمع الدولي بالمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وهو أمر وضعته دمشق على سلم أولوياتها، لكن الدول الغربية لا تزال ترفض المشاركة فيها مشترطة التوصل إلى حل سياسي أولاً.
وباءت تسع جولات من المحادثات غير المباشرة برعاية الأمم المتحدة بالفشل منذ العام 2016 في ظل التباين الكبير بين معارضة تطالب بمرحلة انتقالية تبدأ برحيل الرئيس السوري بشار الأسد وحكومة ترفض نقاش الموضوع أساساً.
وكان يُفترض بحسب عملية جنيف، استكمال البحث في أربع سلال اقترحها دي ميستورا هي الدستور والحكم والانتخابات ومكافحة الارهاب. لكن يبدو أن عملية التفاوض اختُزلت اليوم بتشكيل اللجنة الدستورية التي أقرّت في مؤتمر حوار سوري نظمته روسيا مطلع العام في سوتشي، وأُوكلت الى دي ميستورا مهمة تشكيلها.
ورحبت الدول الأربع في ختام قمة اسطنبول باتفاق إدلب ودعت إلى وقف إطلاق نار دائم. كما أكدت دعمها للعملية السياسية والإسراع في تشكيل اللجنة الدستورية واجتماعها “قبل نهاية العام الحالي”.
ويقول العريضي “نلاحظ اليوم فورة ديبلوماسية (…) الجميع يدفع في اتجاه تشكيل اللجنة الدستورية”. وتتباين قراءة كل من الحكومة السورية والمعارضة لمهام هذه اللجنة، إذ تحصر دمشق صلاحياتها بنقاش الدستور الحالي، بينما تقول المعارضة إن هدفها وضع دستور جديد للبلاد.
وقدمت كل من دمشق والمعارضة لائحة بأسماء خمسين ممثلاً عنها في اللجنة، ويتوجب على دي ميستورا تقديم لائحة ثالثة مماثلة. لكن يبدو أن جهوده باءت حتى الآن بالفشل جراء اعتراض دمشق. ولم يعد أمامه الكثير من الوقت بعدما أعلن أنه سيتخلى عن منصبه نهاية الشهر المقبل.
وغداة اجتماع عقده الجمعة مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق، أبلغ دي ميستورا مجلس الأمن أن الأخير لم يوافق على دور للأمم المتحدة في اختيار اللائحة الثالثة.
— “نزاع جامد” —
لكن الباحث في مؤسسة “سانتشوري” للأبحاث آرون لوند لا يعلق آمالا كثيرة على هذه الحركة الدبلوماسية. ويقول “الدبلوماسيون عنيدون، لكن عليهم أن يدركوا أن الأسد لم يحارب خلال السنوات السبع الماضية ليستسلم إذا خسر في التصويت داخل اللجنة. هذا الأمر لن يحصل”.
ويوضح أن الحكومة السورية “نجحت حتى الآن في استراتيجية المماطلة” التي اتبعتها طوال السنوات الماضية. وتتهم المعارضة دمشق بـ”تعطيل” تشكيل اللجنة، عبر اشتراط تسلمها رئاستها واتخاذ قراراتها بالإجماع.
إلا أن المعارضة تُعد اليوم الطرف الأضعف، فهي لم تتمكن حتى في أوج انتصاراتها الميدانية من إحداث أي تغيير في المعادلة السياسية، وبات وضعها اليوم أصعب بعد خسارة الفصائل المقاتلة غالبية مناطق سيطرتها.
وبدا واضحاً في تصريحات نصر الحريري من موسكو استعداد المعارضة لتقديم تنازلات، إذ لم يتوقف عند الانتقال السياسي الذي يبدأ برحيل الأسد، كما كان المطالب السابق الملح للمعارضة، بل ركز على أهمية دور روسيا، التي لطالما اعتبرتها المعارضة “محتلة”، في العملية السياسية.
ويقول لوند أنه في حال بقي تقاسم النفوذ في سوريا على حاله، “فإننا ننظر إلى نزاع جامد قد يكون مستقراً بطريقة أو بأخرى”، مضيفاً “لا أعتقد أنه سيكون هناك تسوية سياسية قادرة على إعادة دمج هذه المناطق من دون عنف”.
المصدر / فرانس برس العربية .
Comments are closed.