عبق نيوز| لبنان / بيروت| بعد خمسين عاما من اندلاع حرب أهلية لم تندمل جراحها بعد، يلتقي مقاتلون سابقون قرب خطوط تماس فصلت بينهم يوما في ضواحي بيروت، في نقد لتجربة يخشون أن تتكرر بعدما دمرت لبنان.
اندلعت الحرب في 13 أبريل 1975، واستمرت 15 عاما تخللتها فصول مروعة من العنف والانتهاكات والخطف على الهوية، ارتكبتها الأطراف المتحاربة كافة. خلّفت الحرب وفق تقديرات أكثر من 150 ألف قتيل و17 ألف مفقود، وتركت بلدا مقسوم طائفيا وسياسيا يرزح تحت أزمات متلاحقة.
يقول جورج مزرعاني (71 عاما) الذي تولى قيادة “محور” عين الرمانة، وهي منطقة مسيحية في ضواحي بيروت محاذية لمنطقة الشياح ذات الغالبية المسلمة، لوكالة فرانس برس “كانت حربا لا داعي لها.. وأبناء الفقراء هم من ماتوا”.
شهدت عين الرمانة شرارة الحرب، حين هاجم مسلحون من حزب الكتائب اللبنانية المسيحي حافلة تقل ركابا فلسطينيين، ردا على مقتل أحد مناصريهم بنيران مسلحين فدائيين.
أسفرت الحادثة عن مقتل 27 شخصا، وأصبحت “بوسطة (حافلة) عين الرمانة” المحطة التي منها انطلقت نيران الحرب في البلد المتوسطي الصغير، بين أحزاب مسيحية يمينية من جهة، وفصائل فلسطينية وحلفائها من أحزاب يسارية ومسلمة لبنانية من جهة أخرى.
حينها، حمل مزرعاني الذي كان في الحادية والعشرين من العمر، السلاح، على غرار المئات من شبان عين الرمانة ورجالها، قبل أن يصبح المسؤول عنهم.
ويقول “سرقوا 17 عاما من عمري”، مضيفا “فقدت 14 شهيدا من عائلتي، ولم يأت أحد ليقدم التعازي لنا”.
عام 1989، توصّل النواب اللبنانيون الى اتفاق في مدينة الطائف السعودية عرف باسم “اتفاق الطائف”، وأرسى قواعد جديدة لتقاسم السلطة بين المسيحيين والمسلمين. وانتهت الحرب رسميا أواخر العام 1990 وصدر قانون عفو عام عن الجرائم التي ارتكبت خلالها، من دون أي مساءلة أو مصالحة حقيقية بين الأطراف المتحاربة أو تحقيق العدالة للضحايا ولذويهم.
– “محاربون من أجل السلام” –
بغياب عدالة انتقالية حقيقية، لم يستعد لبنان استقراره وبقي عرضة لجولات اقتتال وصراعات وأعمال عنف على وقع انقسامات طائفية وسياسية عميقة.
الى ذلك، تتالت التدخلات الخارجية. فقد أحكمت سوريا التي كانت قواتها دخلت الى لبنان عام 1976، أي بعد عام من بدء الحرب الأهلية، قبضتها على الحياة السياسية لمدة ثلاثين عاما، تخللها عمليات اغتيال طالت سياسيين وصحافيين ومفكرين مناوئين لدمشق.
الى ذلك، احتلت اسرائيل أجزاء من جنوب لبنان عام 1978، وشنّت اجتياحا عام 1982 فرضت خلاله حصارا على غرب بيروت، وشنّت حروبا متتالية ضد حزب الله، الفصيل العسكري الوحيد الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية، آخرها العام الماضي.
وخرج حزب الله المدعوم من طهران من تلك المواجهة أضعف في الداخل. ويشكل نزع سلاحه حاليا إحدى القضايا الخلافية المطروحة للنقاش على وقع ضغوط خارجية تقودها الولايات المتحدة.
لا يخفي نسيم أسعد المقاتل السابق في الحزب الشيوعي مخاوفه من عودة شبح الحرب.
ويقول لفرانس برس “ثمة قلق كبير من عودة الحرب، فالخطاب التحريضي ما زال قائما، وإذا أردت المقارنة بين الظروف التي بدأت معها الحرب عام 1975 وتلك الموجودة الآن، تجد أن الظروف الراهنة مشجعة أكثر”.
على خطوط التماس السابقة بين عين الرمانة والشياح، تشهد أبنية على ضراوة المعارك. وفي الضاحية المسيحية، يمكن مشاهدة العديد من النصب التذكارية لـ”شهداء المقاومة” المسيحية.
لكن في الجهة الأخرى، في الشياح، اختفى مقاتلو الأمس: غادر المقاتلون الفلسطينيون لبنان بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982، وحلّ حزب الله تباعا مكان الأحزاب اليسارية.
منذ سنوات، ينشط أسعد الذي كان في الثامنة عشرة حين اندلعت الحرب، في صفوف جمعية “محاربون من أجل السلام” التي تضم مقاتلين سابقين من أحزاب عدة، أجروا مراجعة نقدية لتجربتهم وقرروا العمل من أجل السلام وتوعية الطلاب والشباب على مخاطر حمل السلاح.
– “مصالحة حقيقية” –
يقول رئيس وأحد مؤسسي الجمعية زياد صعب لفرانس برس “واحدة من المسائل الضرورية هي الاعتراف (بما جرى)، وهذا يقودنا للاعتذار ولنقد تجربتنا خلال الحرب الأهلية” مضيفا “المطلوب الاعتراف من أجل مصالحة حقيقية”.
وأظهرت محطات عدة في لبنان أن جراح الحرب لم تلتئم بعد. عند كل أزمة سياسية، تشهد منطقتا الشياح وعين الرمانة على سبيل المثال توترات على خلفية طائفية أو حزبية.
في بلدة سوق الغرب الجبلية في منطقة عاليه شرق بيروت، والتي دفع سكانها ثمنا باهظا خلال “حرب الجبل”، إحدى فصول الحرب الأهلية الأكثر دموية، جال مقاتلون دورز ومسيحيون عند خط تماس فصل بينهم في زمن مضى، بمبادرة من جمعية “محاربون من أجل السلام”.
ويقول صعود بو شبل الذي قاتل مع حزب القوات اللبنانية المسيحي، وقُتل 29 شخصا من أهالي بلدته الباروك في إحدى المجازر المتعددة التي وقعت، “لم تتم مساءلة أي مسؤول عن سبب القرارات التي اتخذها” خلال الحرب.
ويصف “المصالحات” السياسية بأنها “شكلية” لانها “لم تعد الى جذور المشكلة”، معتبرا أنه “علينا أن نتحلى بالجرأة وأن نقول إننا أخطأنا حيث أخطأنا، وارتكبنا خطيئة حيث ارتكبنا خطيئة، ونفصح عنها ونتوب”.
ويضيف “أنا مع محاسبة الجميع، وإلا سيعيد التاريخ نفسه”.
المصدر / وكالة الصحافة الفرنسية.
Comments are closed.